وساطات ترامب بين الحقيقة والوهم

وساطات ترامب بين الحقيقة والوهم

✍️ بقلم: طه المكاوي

 

هل أنهى الرئيس الأمريكي ثماني حروب… أم صنع سردية سياسية؟

يقدّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه باعتباره “صانع السلام” في القرن الحادي والعشرين، ويروّج مرارًا إلى أن وساطاته الدبلوماسية نجحت في إنهاء ثمانية حروب وصراعات ممتدة حول العالم.


هذا الخطاب، الذي يحظى بزخم إعلامي كبير، يُطرح باعتباره دليلًا على كفاءة ترامب في إدارة الملفات الدولية وفرض الاستقرار، غير أن التدقيق في الوقائع الميدانية يكشف عن فجوة واضحة بين الرواية السياسية والنتائج الفعلية على الأرض.

فهل أنهى ترامب الحروب فعلًا؟ أم أن ما تحقق لا يتجاوز حدود التهدئة المؤقتة وصناعة الصورة السياسية؟

إفريقيا.. اتفاقات على الورق وصراعات مستمرة

في القارة الإفريقية، روّج ترامب لما عُرف بـ اتفاق واشنطن بين الكونغو الديمقراطية ورواندا باعتباره نهاية لصراع دموي استمر لعقود، وفق ما تناولته بعض المنصات الإخبارية.
غير أن الواقع سرعان ما كذّب هذا الادعاء، إذ استمرت الاشتباكات المسلحة، لا سيما مع استبعاد أطراف فاعلة على الأرض، أبرزها حركة “إم 23”، التي تمتلك تأثيرًا عسكريًا مباشرًا في مناطق النزاع.

كما شهدت مناطق إفريقية أخرى انهيارًا سريعًا لاتفاقات مشابهة، ما كشف عن إشكالية جوهرية في نهج الوساطة، تقوم على تفاهمات سياسية جزئية لا تعالج جذور النزاعات، ولا تفرض التزامات حقيقية على جميع الأطراف المعنية.

أوكرانيا وروسيا.. وعود سريعة أمام حرب معقّدة

في ملف الحرب الروسية–الأوكرانية، كرر ترامب أكثر من مرة أنه قادر على إنهاء النزاع “في يوم واحد”، وهو تصريح لاقى رواجًا إعلاميًا واسعًا، لكنه ظل بعيدًا عن الواقع.
فالعمليات العسكرية ما تزال متواصلة، في ظل تعقيدات جيوسياسية عميقة وتشابك مصالح دولية كبرى تشمل الولايات المتحدة، وروسيا، وحلف الناتو، والاتحاد الأوروبي.

ويرى محللون أن طبيعة هذا الصراع تتجاوز قدرة أي وسيط منفرد، مهما بلغت قوته السياسية، ما يجعل تصريحات ترامب أقرب إلى وعود انتخابية منها إلى حلول قابلة للتطبيق في نزاع دولي بهذا الحجم.

الشرق الأوسط.. هدنات هشة بلا حلول جذرية

في الشرق الأوسط، اعتبر ترامب أن وقف إطلاق النار في غزة، إلى جانب التهدئة بين إيران وإسرائيل، يمثلان إنجازات دبلوماسية بارزة.
إلا أن التطورات اللاحقة أظهرت هشاشة هذه الترتيبات، مع تجدد الضربات، واستمرار التوترات، وغياب أي تقدم حقيقي في الملفات الجوهرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والبرنامج النووي الإيراني، وأمن الإقليم.

وهنا، يتضح أن ما تحقق لم يكن سلامًا دائمًا، بل إدارة مؤقتة للأزمات، سرعان ما تنهار مع أول اختبار ميداني.

ثماني حروب على الورق… وصراعات مستمرة على الأرض

يخلص مراقبون إلى أن وساطات ترامب، في أفضل الأحوال، أسفرت عن هدنات مؤقتة أو تفاهمات هشة، دون أن تنجح في إنهاء الحروب أو بناء سلام مستدام.
فالسلام الحقيقي لا يقوم على التصريحات أو الاتفاقات السريعة، بل على معالجة جذور الصراع، وإشراك جميع الأطراف، وضمان التزامات دولية واضحة، وهي عناصر غابت عن معظم مبادرات ترامب.

خلاصة تحليلية: سلام الصورة أم سلام الواقع؟

بينما نجح ترامب في تسويق نفسه سياسيًا باعتباره راعيًا للسلام، فإن الوقائع تشير إلى أن إنجازاته الدبلوماسية لم ترقَ إلى مستوى إنهاء الحروب فعليًا.
وبين خطاب الانتصار وواقع النزاعات المفتوحة، تتجلى مفارقة واضحة:
سلام في الخطاب… وحروب مستمرة في الواقع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.