بين الفرص والمخاطر: الذكاء الاصطناعي في خدمة صنع القرار
الذكاء الاصطناعي في خدمة صنع القرار أم تحدى جديد؟ تعرف على تفاصيل التقرير التالي مع أخبار مصر 24.
كتب باهر رجب
في عصر يتسارع فيه التقدم التكنولوجي،
يبرز الذكاء الاصطناعي كقوة تحويلية تعيد تشكيل أسس اتخاذ القرارات في مختلف جوانب حياتنا،
من الإدارة الحكومية والسياسات العامة إلى قطاع الأعمال والرعاية الصحية.
هذا الموضوع المحوري، نستكشف فيه الأبعاد المختلفة لتأثير الذكاء الاصطناعي،
ما بين كونه شريكا موثوقا أو تحديا يتطلب حوكمة رشيدة.
الذكاء الاصطناعي في خدمة صنع القرار
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد مفهوم نظري، بل أصبح واقعا ملموسا يسهم في تمكين المتخصصين وصناع القرار من خلال قدرته الهائلة على معالجة وتحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة ودقة تفوق القدرات البشرية التقليدية.
تكشف أدوات الذكاء الاصطناعي عن الأنماط الخفية والتوجهات المستقبلية التي قد يصعب على المحللين البشريين اكتشافها. ففي قطاع الرعاية الصحية، يساعد الأطباء على تشخيص الأمراض واقتراح العلاجات المناسبة.
وفي القطاع المالي، يكشف عن الأنشطة الاحتيالية.
وفي مجال التسويق، يحلل سلوك العملاء لتخصيص المنتجات والخدمات.
هذا الدور الداعم لا يقتصر على توفير الوقت وتحسين الدقة، بل يمنح المحترفين رؤى أعمق تعزز ثقتهم قراراتهم.
حوكمة الذكاء الاصطناعي والسياسات العامة:
تدرك الحكومات حول العالم أهمية الذكاء الاصطناعي كأداة لتحسين كفاءة القطاع العام ورسم السياسات بذكاء.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في حل مشكلات عامة معقدة مثل تنظيم المرور، تحسين خدمات التعليم والصحة، مراقبة البنى التحتية، وحتى مكافحة الفساد والاحتيال.
كما يلعب دورا محوريا في النهوض بخطة التنمية المستدامة 2030،
من خلال المساعدة في القضاء على الفقر، تحسين التعليم، دعم النمو الاقتصادي، ومكافحة التغير المناخي.
تبرز تجربة إستونيا كنموذج رائد للحكومة الرقمية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي،
حيث إتاحة الهوية الرقمية ونظام الإقامة الإلكترونية الوصول الامن والسهل لمئات الخدمات الحكومية،
مما عزز الكفاءة وجذب الاستثمارات. وبالمثل، يظهر استخدام نظام تقييم مخاطر الحوكمة (GRAS) في البرازيل كيف يمكن للخوارزميات تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد في المشتريات العامة.
يعد دمج الذكاء الاصطناعي في دورة السياسات العامة

بدءا من تحديد المشكلات والأولويات، مرورا بصياغة السياسات واعتمادها وتنفيذها، وصولا إلى تقييمها ومراجعتها
فرصة لتحسين عملية صنع القرار القائمة على الأدلة.
يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات لتحديد القضايا الناشئة،
محاكاة تأثير السياسات المقترحة، أتمتة المهام الإدارية، وتقييم نتائج السياسات بفعالية.
بين الفرص والمخاطر: أهمية الحكم البشري والتوازن:
رغم الإمكانات الهائلة، يطرح الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي تحديات ومخاطر لا يمكن تجاهلها.
فمن أبرز المخاوف التحيز الكامن في الخوارزميات،
والذي قد ينشأ عن بيانات التدريب التاريخية،
مما قد يؤدي إلى ترسيخ أو حتى تفاقم أشكال عدم المساواة والتمييز. كما أن مشكلة “الصندوق الأسود”، حيث يصعب فهم كيفية توصل بعض الأنظمة لقراراتها،
تقوض الشفافية والمساءلة والثقة العامة. تضاف إلى ذلك قضايا الخصوصية وأمن البيانات، واحتمالية فقدان الوظائف نتيجة الأتمتة، وخطر الإفراط في الاعتماد على التكنولوجيا على حساب التفكير النقدي والحكم البشري.
هنا تبرز أهمية الحفاظ على دور الحكم البشري كعنصر لا غنى عنه في عملية صنع القرار،
خاصة في القرارات الأخلاقية والحساسة. التعاطف، الإبداع، الحدس، والقيم الأخلاقية هي صفات بشرية لا يمكن للالات محاكاتها بالكامل.
لذا، يجب النظر إلى الذكاء الاصطناعي كشريك وأداة مساندة، وليس كبديل كامل للحكم البشري.
إن تحقيق التوازن المناسب بين القدرات الرقمية والحكمة البشرية يتطلب أطر حوكمة قوية تضمن الاستخدام المسؤول والأخلاقي للتكنولوجيا.
يجب وضع مبادئ توجيهية واضحة، تعزيز الشفافية، ضمان الرقابة الأخلاقية،
الاستثمار في تدريب الكوادر، وتحديد آليات للمساءلة.
نظرة نحو المستقبل:

المستقبل يكمن في الدمج المتوازن بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري.
الأدوات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، من تحليل البيانات الضخمة والتنبؤ بالاتجاهات إلى أتمتة العمليات، تفتح افاقا واسعة لتحسين الكفاءة والابتكار في إدارة الأصول، إدارة المخاطر والكوارث، وفي مختلف القطاعات الأخرى.
ومع ذلك، يبقى الإنسان هو من يحدد الوجهة، والذكاء الاصطناعي هو البوصلة التي تساعد على الوصول إليها.
يتطلب الأمر رؤية استراتيجية، استثمارا في القدرات، و تعاونا دوليا لضمان أن تخدم هذه التقنيات الصالح العام وتساهم في بناء مستقبل أكثر استدامة وعدالة للجميع.