الخلافات الزوجية.. سقف واحد و قلوب متباعدة وأرواح تائهة
الخلافات الزوجية.. سقف واحد و قلوب متباعدة وأرواح تائهة
الخلافات الزوجية.. سقف واحد و قلوب متباعدة وأرواح تائهة
في البدء كان الحلم.بيت صغير، دفء مشترك، وأحاديث ليلية تتدثر بالحب والضحك.لكن الحكايات لا تبقى دائمًا على سطرها الأول.
كتب:هاني سليم
تبدأ الحياة، ويتغير الإيقاع. ويحدث ما لم يكن في الحسبان: يتحوّل الزواج من حضن آمن إلى ساحة ممتلئة بالألغام المؤجلة. ينشأ الخلاف. لا لأن الحب مات، بل لأن التواصل انهار.
في هذا المقال، نغوص في أعماق الخلافات الزوجية، لا لنجلد طرفًا، بل لنفكك آلياتها، نفهم جذورها، ونبحث عن الضوء في نهاية نفق لا يخلو من العتمة.
ليست كل خلافات الأزواج نابعة من خيانة أو كذب، كما تصوّرها الدراما السطحية، بل إن معظمها يبدأ من “تفصيلة صغيرة لم تُناقَش في وقتها”، من شعور دفين بعدم التقدير، من نظرة استعلاء، من نغمة صوت مستفزة، من جدول يومي يفتقر لساعة حوار.
وتُظهر دراسات متخصصة أن أكثر من 70% من الخلافات الزوجية لا تتعلق بأحداث كبيرة، بل بسوء فهم متكرر، أو تجاهل غير مقصود، أو اختلاف في التعبير عن المشاعر.
“الزواج لا ينهار فجأة.. بل يتآكل بالصمت، بالتأجيل، بالاستخفاف بالحاجة العاطفية للطرف الآخر”، كما تقول المستشارة الأسرية العالمية “إستير بيريل”.
قد تبدأ الخلافات الزوجية من أمور بسيطة لا تستحق الوقوف عندها طويلًا: من طريقة ترتيب المنزل، أو أسلوب إنفاق المال، أو حتى برامج التلفاز المفضلة. لكن مع تكرار تلك “الصغائر”، ومع غياب لغة الحوار، تتضخم لتصبح خلافات حول المبادئ، والرغبات المؤجلة، وأدوار الحياة.
ويؤكد الدكتور طارق عبد الجواد، أستاذ العلاقات الأسرية:
“الخلافات الزوجية في جوهرها ليست مجرد صدام في الرأي، بل انعكاس لاختلاف في الرؤية، والاحتياج، وحتى في طريقة التعبير عن الحب”.
ويضيف: “عندما لا يجد أحد الطرفين من يستمع له بإنصات، يبدأ في الانسحاب أو الهجوم، وهنا تبدأ المعركة الحقيقية”.
إن العناد، الصمت العقابي، المقارنات، النقد الدائم، التهديد بالانفصال، كلها أسلحة خفية تُستخدم داخل بعض البيوت التي فقدت بوصلة التفاهم. وعوضًا عن أن تكون العلاقة الزوجية حوارًا مستمرًا، تتحول إلى محكمة، يجلس فيها كل طرف على مقعد القاضي والجلاد في آنٍ واحد.
وقد كشفت دراسة حديثة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية أن أكثر من 65% من حالات الطلاق في مصر تحدث خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج، وغالبًا ما تعود الأسباب إلى تراكم الخلافات دون حل جذري.
قد لا تكون الخلافات واضحة أو صاخبة دائمًا. فهناك نوع أخطر وأكثر فتكًا: الخلافات الصامتة. ذلك الجفاء العاطفي، وتلك الفجوة اللامرئية التي تتسع كل يوم، دون كلمات، ودون صراخ.
تقول رنا (35 سنة)، وهي متزوجة منذ 10 سنوات:
“نحن لا نتشاجر، لكننا لم نعد نتكلم. نتقاسم البيت، لكن ليس الحياة. أحيانًا أتمنى شجارًا يعيدنا للحياة.. أي حياة، حتى لو كانت متوترة”.
هذه الحالات من الجمود العاطفي كثيرًا ما تؤدي إلى الانفصال النفسي، حيث يصبح كل من الزوجين في وادٍ، رغم وجودهما تحت سقف واحد.
أين الأبناء من كل هذا؟
في وسط معارك الكبار، يقف الأبناء حائرين، ضائعين بين نظرات الغضب، وصمت الليالي، وبقايا دفء قديم. الخلافات المتكررة تؤثر على الأطفال بشكل مباشر، فتجعلهم إما عدوانيين متمردين، أو منطوين فاقدين للثقة.
وتشير الأخصائية النفسية د. منى يسري إلى أن:
“الطفل لا يحتاج إلى أب مثالي أو أم خارقة، بل إلى بيئة مستقرة يشعر فيها بالأمان، والقدرة على التعبير. تكرار الخلافات يهز ذلك الشعور ويزرع الخوف في داخله، مما ينعكس على تحصيله الدراسي وتطوره النفسي والاجتماعي”.
الطريق إلى المصالحة
الخبر السار، أن ليس كل خلاف يعني نهاية، وليس كل خصام هو مقدمة طلاق. فبعض الخلافات قد تكون بابًا جديدًا لفهم أعمق بين الزوجين، إذا ما تمت إدارتها بذكاء وهدوء.
ويوصي الخبراء بعدة خطوات لتقليل حدة الخلافات الزوجية:
تخصيص وقت للحوار اليومي دون مقاطعة أو تهكم و الاعتراف بالمشكلة بدلًا من إنكارها أو تجاهلها.
وعدم إشراك الأهل أو الأصدقاء في كل خلاف و الاعتذار بصدق، وتعلم ثقافة التنازل الناضج