العاطفة والعقل .. المشاعر التي تكسر قلبك قد تكون السبب في شفائة
العاطفة والعقل .. الإنسان قاسٍ على نفسه أكثر مما يتخيل، يحاكم ذاته على كل زلة، ويعاتب قلبه على كل ضعف، ويحمل على كتفيه ذنوب الماضي كما لو كانت حُكمًا أبديًا لا يُستأنف.
نُسامح الآخرين بسهولة، ونلتمس لهم الأعذار، لكننا ننسى أن نمنح أنفسنا القليل من الرحمة.
بقلم/ نولا رأفت

الرحمة بالذات ليست ترفًا نفسيًا، بل ضرورة إنسانية للشفاء، وللاستمرار، ولأن نعيش بسلام مع أنفسنا دون أن نُحاكمها كل يوم فالقسوة تنهك الروح وتتعب القلب.
نعيش أحيانًا في حربٍ صامتة ضد أنفسنا
نندم على ما قلناه، ونجلد أنفسنا على ما لم نفعله، ونُعاقبها على خياراتٍ كانت في وقتها كل ما نعرفه.
ننسى أننا لم نكن نملك الوعي الذي نملكه اليوم، وأن أخطاءنا كانت جزءًا من رحلتنا نحو الفهم.
القسوة على الذات لا تُصلح شيئًا، بل تُبقي الجرح مفتوحًا.
أما الرحمة، فهي الاعتراف بأننا بشر، وأن الندم الطبيعي لا يعني جلد النفس إلى الأبد.

الغفران للنفس شجاعة لا ضعف
أن تغفر لنفسك لا يعني أنك تبرر الخطأ، بل أنك تفهمه وتتعلم منه.
الرحمة بالذات ليست تناقضًا مع تحمل المسؤولية، بل هي طريقها الصحيح.
حين تُسامح نفسك، لا تُنكر ما حدث، بل تتقبله كدرسٍ لا كوصمة.
الغفران للنفس فعل نضجٍ عميق، لأنك تختار أن تُكمل الحياة بدلاً من أن تتوقف عند ما جرحك فيها.
القوة ليست في قسوتك على نفسك، بل في قدرتك على النظر في المرآة دون خجلٍ من ماضيك.

لا أحد ينجو بلا خطأ
كل إنسان أخطأ بطريقةٍ ما: بكلمة، بقرار، بثقةٍ منحت في غير مكانها، أو بمحاولةٍ فاشلة للتمسك بشيءٍ انتهى.
لكن الأخطاء ليست نهاية العالم، بل دليل أنك حاولت أن تعيش.
الذين لم يخطئوا هم ببساطة الذين لم يجرّبوا.
الحياة لا تعاقبنا على السقوط، بل تمنحنا الفرصة كي ننهض، ونفهم، ونُعيد المحاولة من جديد.
الرحمة بالذات تبدأ حين تتوقف عن لوم نفسك لأنك إنسان، ولأنك لم تكن تعرف أفضل مما فعلت وقتها.
التصالح مع الماضي
الرحمة بالذات تعني أن تتصالح مع ماضيك بكل ما فيه: بضعفك، بخيباتك، وحتى بقراراتك الخاطئة.
أن تتعامل مع نفسك كما تتعامل مع طفلٍ صغيرٍ تعلم أنه لا يزال يتعلم المشي.
تقول له: “لم تكن تعرف، والآن عرفت.”
الإنسان لا يشفى من ماضيه بالإنكار، بل بالاعتراف الهادئ أن ما حدث جزء من تكوينه.
التصالح لا يعني الرضا بكل شيء، بل الهدوء تجاه ما لا يمكن تغييره.

كيف تكون رحيمًا بنفسك؟
• تحدث مع نفسك بلطف. لا تستخدم كلماتٍ ضدها لن تقولها لغيرك.
• توقّف عن المقارنة. كل روحٍ تسير في زمنها الخاص، ولا أحد متأخر أو متقدّم حقًا.
• احتفل بإنجازاتك الصغيرة. كل خطوة في اتجاه السلام تستحق الامتنان.
-اسمح لنفسك بالراحة. ليست كل المعارك تستحق خوضها، وبعض الاستسلامات هي شفاء.
-تذكّر أنك لست وحدك. كل من حولك يحمل جرحًا خفيًا، والرحمة بالذات تعني أيضًا فهم الاخرين فالرحمة لا تعني الأنانية
أن تحب نفسك وتكون رحيمًا بها لا يعني أن تنغلق عن الناس أو أن تبرّر الأذى، بل يعني أن تفهم حدودك، وأن تحافظ على طاقتك، وأن تُعطي دون أن تُرهق روحك، فالرحمة بالذات تمنحك الاتزان الذي تحتاجه لتكون رحيمًا بالآخرين أيضًا، فلا يمكن أن تمنح العالم حبًا وحنانًا وأنت لا تملك سلامك الداخلي.
النهاية
الرحمة بالذات ليست ضعفًا، بل شجاعة من نوعٍ آخر.
أن تنظر إلى نفسك بعد كل السقوط، وتقول: “أنا ما زلت أستحق فرصة أخرى.
أن تحتضن قلبك الذي خذلته الأيام وتقول له: “لقد كنت شجاعًا بما يكفي لتعيش.
حين تتعلم أن تكون رحيمًا بنفسك، لن يعود الماضي عبئًا، بل جزءًا من حكمةٍ عميقة تسكنك.
فأجمل ما في الحياة أن تصل إلى مرحلةٍ لا تبحث فيها عن الكمال، بل عن السلام.
أن تغفر، لا لأنك نسيت، بل لأنك فهمت… وفهمت جيدًا أنك تستحق أن تبدأ من جديد دون خوف، ودون جلد، ودون كراهية لذاتك.