الإصلاحات الإنتاجية بوابة استدامة تحسن الجنيه المصري

الإصلاحات الإنتاجية بوابة استدامة تحسن الجنيه المصري

✍️ بقلم: طه المكاوي

في ظل تحولات اقتصادية عالمية معقدة، تتجه الأنظار إلى الاقتصاد المصري الذي يشهد مسارًا متدرجًا نحو الاستقرار، مدعومًا بإصلاحات هيكلية وسياسات نقدية أكثر مرونة. وفي هذا السياق، تُعد توقعات بنك ستاندرد تشارترد بشأن تحسن أداء الجنيه المصري خلال الفترة المقبلة مؤشرًا يعكس نظرة إيجابية حذرة تجاه مستقبل الاقتصاد المحلي.

قراءة في المؤشرات النقدية والتضخم

يرى الخبير الاقتصادي هاني أبو الفتوح أن التوقعات الصادرة عن البنك الدولي تتسم بقدر كبير من الواقعية على المدى المتوسط، مشيرًا إلى أن استمرار الحكومة في تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية ودعم استقرار السياسة النقدية يمنح الاقتصاد المصري قدرة أكبر على تحقيق توازن مالي ونقدي مستدام.

ولفت أبو الفتوح إلى تراجع معدلات التضخم في الحضر إلى نحو 11.7% في سبتمبر 2025—وفقًا لرؤية الإخبارية—وهو أدنى مستوى منذ أشهر، ما يمنح البنك المركزي مساحة أوسع لإدارة أدوات السياسة النقدية بشكل أكثر فاعلية لتحقيق مستهدفاته.

بيئة استثمار جاذبة وثقة متزايدة

أوضح الخبير أن تحسن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر يعد دلالة واضحة على ارتفاع مستوى الثقة في السوق المصرية رغم التحديات العالمية. هذه التدفقات أسهمت في تقليل الضغط على الاحتياطي النقدي ودعم استقرار سعر الصرف، إلى جانب نمو الإيرادات السياحية وتحسن تحويلات المصريين بالخارج، ما ساعد على تعزيز السيولة الدولارية في الجهاز المصرفي.

وفي الوقت ذاته، حذر أبو الفتوح من الإفراط في الاعتماد على الأموال الساخنة باعتبارها تدفقات غير مستدامة قد تتأثر سريعًا بالظروف المالية العالمية.

الصناعة والصادرات مفتاح قوة الجنيه

أكد أبو الفتوح أن استدامة تحسن الجنيه لن تتحقق إلا عبر مواصلة الإصلاحات الإنتاجية وتعزيز القطاعات الصناعية والتصديرية، مشيرًا إلى أن تحقيق نمو حقيقي هو السبيل لترسيخ قوة العملة المحلية بعيدًا عن تقلبات الأسواق قصيرة الأجل.

كما لفت إلى تراجع الطلب على الذهب بنحو 20% خلال الربع الثاني من 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية وتحسن نسبي في قيمة الجنيه، مع استمرار الذهب كأداة تحوط رئيسية ضد التضخم رغم اتساع الفجوة بين السعر الرسمي والموازي.

توقعات مستقبلية للجنيه المصري

توقع بنك ستاندرد تشارترد أن يشهد الجنيه مسارًا أكثر استقرارًا وتحسنًا تدريجيًا، مع إمكانية أن يتراوح سعر الدولار ما بين 52 و54 جنيهًا في عام 2026. كما رجح البنك ارتفاع التضخم مؤقتًا بنهاية 2025 إلى نطاق 13% – 17% قبل أن يتراجع إلى نحو 11% في نهاية 2026.

 خلاصة تحليلية

يبدو أن الاقتصاد المصري يدخل مرحلة توازن دقيقة، حيث تلعب الإصلاحات الإنتاجية—وليس فقط النقدية—الدور الأهم في رسم مستقبل الجنيه. وبينما تمنح المؤشرات الراهنة جرعة تفاؤل محسوبة، فإن الاستدامة ستظل مرهونة بقدرة الدولة على تعزيز الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات، وضبط تدفقات رؤوس الأموال قصيرة الأجل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.