هايدى بين براءة الطفولة ولعنة الترند فى عالم السوشيال ميديا
بقلم/ إيمان سامي عباس
خلال الأيام الماضية لم يكن لمواقع التواصل الاجتماعي حديث يعلو فوق قصة الطفلة هايدى، تلك الصغيرة التي أظهرت قلبًا رحيمًا حين فضّلت أن تعطي رجلاً مسنًا ثمن كيس الشيبسي، مفضلة سعادته على رغبتها. الموقف فى جوهره إنساني وبريء، يكشف عن روح طفلة لم تلوثها حسابات الكبار ولا موازين المكسب والخسارة. لكن سرعان ما تبدّل المشهد، إذ تحولت اللفتة الطيبة إلى جدل واسع ومادة خصبة للتشكيك والتهويل، حتى بدا وكأننا أمام واقعة استثنائية أو بطولة خارقة.
الحقيقة أن ما فعلته هايدى يحمل من البراءة والصدق ما قد يعجز عنه كثير من الكبار، لكنه يبقى فى النهاية موقفًا إنسانيًا بسيطًا، لا يحتاج إلى تحويله لعرض مسرحي أو قصة بطولية تهدف إلى صناعة “ترند”.
اقرا ايضا: اعتقال خلية تابعة لحماس خططت لاغتيال وزير الأمن الإسرائيلي
بين التقدير والابتذال الإعلامي
لم تبتكر هايدى اختراعًا ينقذ البشرية، ولم تفز بجائزة عالمية، لكنها أظهرت جانبًا مضيئًا من الإنسانية يستحق التقدير. إلا أن ما أفسد المشهد هو المبالغة المفرطة فى الاحتفاء، حتى وصل الأمر إلى استضافتها فى مطاعم شهيرة، وظهور “بلوجرز” وفنانين بجانبها طمعًا فى جزء من وهج الموقف. الأكثر غرابة كان تكريم المجلس القومي للأمومة والطفولة، وكأن الفعل الذى قامت به نادر الحدوث، متناسين أن هناك عشرات الأطفال الذين يقومون يوميًا بأفعال أعظم وأصدق لكن دون أى أضواء أو تكريم.
التهويل المبالغ فيه لا يضيف قيمة لهايدى، بل يسلب الموقف براءته ويحوله إلى مادة استهلاكية، وكأن الطفلة بطلة لضربة جوية أو إنجاز تاريخي.
دعوة لحماية براءة الأطفال من لعنة الترند
الموقف أثار إعجاب وزيرة التضامن الاجتماعى د. مايا مرسي حين انتقدت المبالغة فى الاحتفاء، معتبرة أن ذلك قد يحبط أطفالًا آخرين حين لا ينالون نفس الاهتمام لمجرد أن أفعالهم لم تتحول إلى “ترند”. وهذا الطرح منطقي؛ فالأطفال يجب أن يشعروا أن الخير قيمة طبيعية يمارسونها دون انتظار مقابل أو شهرة.
إن “لعنة الترند” أصبحت سمة خطيرة فى زمن السوشيال ميديا، حيث يُستغل أى موقف بسيط لتحقيق مكاسب شخصية أو للظهور الإعلامي. ما حدث مع هايدى يجب أن يكون جرس إنذار لنا جميعًا: لا نحمل الأطفال فوق طاقتهم ولا نحول براءتهم إلى سلعة رائجة. دعوا الأطفال يعيشون طفولتهم بعيدًا عن صخب الأضواء وسباق الترندات، فبراءتهم أثمن بكثير من أى شهرة زائفة.
كاتبه المقال إيمان سامي عباس