مجتمع التحايل ونهاية الظلم والاستبداد العسكرى فى الدولة العلوية

مجتمع التحايل ونهاية الظلم والاستبداد العسكرى فى الدولة العلوية

مصطفى نصار

مصر في عصر استبداد محمد علي باشا الاستبداد ذلك الداء الأشر الذي ينهش في جسد المجتمع منذ زمن بال، فذلك أمر الجميع حفظه و تجرع منه المر ،و لكن السؤال الحقيقي ،هو كيف استطاعنا أن نحيا دون تلاشي منذ أكثر من قرنين من الزمن ؟،أحدهم سيصدن و يقول قرنين و قد اُتهم بالهذيان ،أقول له أن محمد علي اهتم بالجحر دون البشر ،فأنهك البشر و استبعدهم عبر ثلاث مراحل ،و منها :

١_تهميش دور المؤسسات الدينية و نفي أو قتل العلماء المفهوين أو حبسهم ،و بالتالي زعزعة الثقة بين المصريين ،و الشيوخ.

٢-إنشاء مباني و طرق و ممرات كالقناطر الخيرية و الاهتمام بالتعليم لخدمة الجيش، و هو ما عده باحثون بداية ما يسمى بعسكرة التعليم ،و من أبرز هؤلاء الباحثين محمد إلهامي، و توسعه في البناء بالطزاز الأوربي الحديث لسببين ،أولها خداع الحمقى و المغفلين بأن هذا لهم ،و الثانية هو بث شعور الرعب المعماري الذي أطلقته عليه أساتذة المعمار في شيكاغو نان إلين بهندسة الخوف ،و سيصدمون بأن هذا ليس لهم بل للعائلة السلطانية الذي سينجبها.

٣_تجنيد المصريين و عملهم بالسخرة تحت أمر و قمع المجندين و استخدامهم للقمع و إرهاب و حتى قتل ذويهم ،فنجد كتب التاريخ تقص علينا أنه في تمرد سوهاج الشهير ١٨١١م قتل ابن أباه في التمرد تنفيذًا لأوامر الباشا ،و التمرد هنا نقلًا عن الوثائق الرسمية ،و يعني بها هنا انتفاضة بالمعنى المعاصر .

ظهور التحايل بصفته قيمة في المجتمع المصري

و مات محمد علي في ١٨٤٩ ،و تولى إبراهيم الولاية ،و توفى بعده بعدة أشهر ،و كان قد نجح محمد علي في كسر عزيمة و إرادة المصري و تدجينه أعزنا الله و إياكم ليكون بمنزلة أقل من الدابة، و ظهرت محل القيمتين المقاومة و الإرادة قيمة التحايل ،و التحايل لا يعني الخداع و الغش ،بل هو المناورة و المكر و يعد صورة من التكيف كما يقول د. عمار على حسن ، و هذه القيمة مصحوبة دائمًا بالخوف المستمر، ووضع تصور أخرق أحمق مفاده كما يقول هوبز عن الليفاثان أو الدولة الوحش (المواطن بها كالنملة بل أقل شأنًا يبحث عما يكمل يومه به).

الاستبداد في عصر سعيد باشا

و جاء سعيد باشا ليكمل ما فعله أبوه بالمصريين ،فكما همش التعليم ،فقام بإلغاءه من الأصل ،و كان على وشك إلغاء الكتاتيب بحجة توفير النفقات للمشاريع القومية ،و خصص فقط التعليم للاتراك و المرتزقة ليكونوا له خير عون لخدمة مشاريعه من خدمات السكك الحديدية و الأنفاق الموصلة بين المدن ،و بعضها ،و يرجع الفضل لبقاء الكتاتيب لعلي مبارك في إبقاءها و توسيعها و إقناع سعيد بحجة أن حكم جهلة أصعب من حكم فئة متوسطي الفكر و أبقى التوسيع سرًا على سعيد باشا .

الاستبداد و الاستدانة في عصر الخديوى إسماعيل

و توفى سعيد و تولى عباس حلمي الأول و توفى عباس بعد سنة و تولى إسماعيل ،و اللافت للنظر ها هنا هو صمت الشعب المطلق على الباشا و أولاده ، فتوسع إسماعيل في سياستين جديدتين خالف فيها أباه و جده ،فعباس حلمي أكمل مشاريعه الجوفاء إتمامًا لما فعله سعيد لا تفيد إلا المنتفعين، و ما لبث حكمه ،و لم يلفت نظر المتحايلين على العيش أنهم أنباءوا على نفسهم فرصًا من عمر أبناءهم و عمر أحفادهم من أحل أمان زائف و وظيفية يعمل فيها بصفته عبد أو إنسان أدنى (under_man)و عمل إسماعيل على التوسع في الاستدانة ،حتى بلغت الديون المليار جنيه ، و هو ما يعادل الآن ١٦٧ مليار دولار، و هو ما أدى بالحتمية للإفلاس ، و خضوع الشعب تحت براثن الفقر و السداد ،فبحسب محمد حسين هيكل في رسالته للدكتوارة بعنوان ديون مصر ،فقدت سددت الديون في ٩٥ عام ،أي من العام ١٨٥١ للعام ١٩٥٦،و هو ما جعل إسماعيل يراهن على بيع أو تأجير أراضي و ممتلكات الدولة تحت مسمى حق الانتفاع ،فرأينا افتتاح قناة السويس للأجانب و نشأة البرلمان ،و هي مشاهد عبثية لعدة أسباب و منها

١_اقتراضه للتكاليف بعد إعلان الإفلاس رسميًا

٢_بيعه لمشروع قناة السويس و الجسور قبل افتتاحهما

٣_بداية التدخل الاجنبي بذريعة المساهمة في سداد الديون فتكون على إثرها هيئات قضائية كالمحاكم القنصلية و انتهى الأمر بعزل إسماعيل .

عباس حلمي الثاني و احتلال مصر

و تولى عباس حلمي الثاني و توسع في تقلد الأجانب الوظائف، و في هذه الحقبة أي بين عام ١٨٧٠ و ١٨٨٦ ،استقيظ ضمير الناس و أعلنوا تأييدهم لعرابي و ظهرت الحركة العرابية داخل الجيش ، و نحجت في قيادة ثورة و عملت على إحياء المقاومة ،و لكن هل نجح في إيقاظ المقهور من قبره؟فعل عرابي كل ما بوسعه و لكن الرك يلقى على خنوع الشعب المستمر ،و خيانة بعض الضباط لعرابي ، و انتهى التحايل تحت مسمى الصبر بهزيمة عرابي في التل الكبير و الإسكندرية و احتلال مصر ١٨٨٢م ،و هو ما أكده عبد الرحمن الرافعي ،فيبقى السؤال أيعود المصري الذي طرد الاحتلال الفرنسي في ٣ سنوات فقط لسابق عهده بالكرامة؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.