عسلية… بقلم/ محمد عبد الواحد

 

 

عسلية (قصة قصيرة )

محمد عبد الواحد

امسك فى إيدى جامد يامنعم علشان ماتتوهش فى المولد ده.
وسط الزحام وتراب الساحة المتطاير قبض منعم بأنامله الصغيرة على اصبعين من كف أبيه الضخمة.. بكفه الأخرى أزاح الطرطور الورقى الأحمر اللامع إلى الخلف.. فخور بأن عم فتحى الترزى قد فصل له من نفس ” التوب ” جلبابه وجلباب أبيه بخطوطهما الطولية الزرقاء.. وأن فى قدميه نفس البلغة البيضاء التى فى قدمى أبيه باختلاف المقاس اختلافا مضحكا وكأنها ابنتها..
شمس ظهيرة الجمعة تملأ الساحة المكتظة بالقرى المجاورة.. رائحة القش والدريس اليابس المتطاير تحت الأقدام تملأ خياشيمه.. المحفل يمر متهاديا على ظهر جمل معتليا كل الرؤوس.. الطبل البلدى الضخم يتدلى بحبل على صدر جلباب.. طوم طوم.. طام.. طوم طوم.. طام.. تمتزج معه الصاجات الكبيرة بطنة نسوية ذات صدى تن..تن..تن.. ومزمار بلدى فى شقاوة يتقافز مزغردا بين الطوم والتن لتتراقص الجلابيب وأرجل حمار يمر أمامهما فيسقط راكبه ليضحك أبوه عاليا ويضحك منعم..
أمام أقفاص زجاجية تعلو رأس منعم الصغيرة مستندة على قوائم من خوص تخيره كف أبيه بين أقراص المحوجة ونبوت الغفير والعسلية الملفوفة فى أوراق ملونة.. ثلاث مليمات أخرجها أبيه من سيالة جلبابه وهو يناوله العسلية الكبيرة وقد اختارها منعم فى ورقة حمراء.. خرفشت وهو يفضها ليطالعها بكل حواسه فى لونها الذهبى وكسر الفول السودانى يبرز من طرفيها يعده بمزيد من المتعة.. عربة كارو تتبع المحفل على ظهرها غوازى ثلاث مكشوفات الصدر وجوانب الأفخاذ.. تلمع على بذلاتهن المقصبة بالذهب قروش الترتر.. يتابعهن وهو يقضم من العسلية لتتفتت بين أضراسه.. العسل يسيل على لسانه.. يدفع به إلى سقف حلقه.. طعم العسل يملأ الدنيا.. كف أبيه تربت على كتفه.. طوم طوم.. تن.. طام.. تن …
سعل المهندس منعم فى فراشه.. بيد مرتعشة تناول كوب الماء من على سطح الكوميدينو المجاور فسقطت نظارته السميكة إلى الأرض.. انحنى بصعوبة يلتقطها وهو ينادى – سميه.. سميه.
تركت سمية ابنها أحمد على السفرة وهي تطلب منه أن يترك الآيفون جانبا وأن يحفظ قانون أوم جيدا..
– نعم يا بابا.
– ناولينى يابنتى عسلية من الكيس اللى فى الدولاب.
– عسلية ايه بس.. السكر عالى عند حضرتك.
– يابنتى ماتتعبنيش واسمعى الكلام.. ناولينى واحدة.
خرفشت وهو يفضها.. طالعه حشو كسر الفول السودانى.. يقضم فيسيل العسل على لسانه.. كف أبيه تربت على كتفه.. طوم طوم.. تن.. طام.. تن.

محمد عبد الواحد – المنصورة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.