وبشر المخبتِين “إفتتاحية سورة الحج”  

وبشر المخبتِين “إفتتاحية سورة الحج”

 

 بقلم: د. رحاب أبو العزم

 

تستقبل الأمة الإسلامية عن قريب أفضل أيام الدنيا؛ تلك الأيام التي يدعو فيها الحجيج فيخرجون من دعائهم مباهٍـ الله بهم الأمم، ويخرجون كيوم ولدتهم أيامهم؛ ثوبًا أبيضًا خاليًا من سواد المعاصي والذنوب، ويدعو فيها الصائمون يوم عرفة ليخرجون بذنوب عام مضت وذنوب عام آت وقد غُفِرت ذنوبهم. واستفتاح سورة الحج بقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَةِ شَيْء عَظِيم{ إنما يدل على ثمة تشابه بين أحوال الناس يوم القيامة وأحوالهم يوم الحج مع عظيم الفارق؛ حيث تنخلع القلوب من الصدور خشوعًا وندمًا وتذللًا لله الجبار الرحيم الغفور، وكل لحظة تعلقت بها القلوب لغير الله تعالى وسافرت للحج فقط ليقال عنها: (قد حَجَّت بيت الله) سترى بأم بصرها وبصيرتها الخسران المبين في الآخرة، والندم أنها فوتت فرصة قلما تتكرر في العمر. إن المعيار الحقيقي قد أنجزته سورة الحج في قوله تعالى: }ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ{ لما في القلب من سرية الصدق وسرية الرياء، ولما في الطاعة في الأزمنة الفاضلة من تعظيم لشعائر الله شرط انعدام الرياء وذلك لا يعلم دواخله إلا الله تعالى.

ليالي رمضان وصلاه القيام!!

بالأمس القريب كنا نحيا ليالٍ رمضانية بين ربوع القرآن الكريم وصلاة القيام ومننا من أحياها أمام البرامج والمسلسلات الهابطة، وكنا نبكي على انتهاء رمضان ولياليه المباركة وفواتنا للفرص الربانية، وها هو عظيم كرم الله تعالى وسعة إحسانه فيتفضل أكرم الأكرمين علينا بالليال العشر ليؤكد لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم عظم العمل لصالح فيها «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يَرْجِعْ من ذلك بشيء» والعمل الصالح كلمة متسعة تشمل جميع الفضائل منها؛ السعي لقضاء حوائج الناس، وإصلاح ذات البين، والتوسعة على أهله، وصلة الرحم، وبر الوالدين، والترفيه عن الأبناء، والعطف على الأيتام والمسنين والصلاة، وتلاوة القرآن الكريم، والصيام، والصدقة، والدعوة إلى الله تعالى، وتأتي الكلمة الطيبة وبشاشة الوجه على قمة جبل الفضائل. من أكرمه الله وشد الهمة ليعمل عملًا صالحًا في هذه الليال المباركة عليه أن يتقي الله في نيته التي لا يعلم صدقها إلا الله تعالى فينقي قلبه من أي شائبة رياء قد تحبط عمله دون أن يشعر لتكون الليال العشر اغتنامًا حقيقيًا للفرص.

فضل الليال العشر!!!

لم يأت نص قرآني ولا نبوي صريح بفضيلة صيام الليال العشر إلا الصيام في يوم عرفة؛ حيث ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قوله: «إن الله يكفر بصوم يوم عرفة السنة التي قبله والسنة التي بعده» بشرط اجتناب الكبائر، ولا يعيش الحجيج يومًا أعظم من الركن الأعظم للحج وهو يوم عرفة حيث «إن الله تعالى يُباهي بأهل عرفات ملائكة السماء، يقول: انظروا إلى عبادي، أتَوْني شُعثًا غُبرًا من كل فجٍّ عميق أُشهِدُكم أنِّي قد غفرتُ لهم» الله أكبر؛ إن الله تعالى يدنو من السماء الدنيا ليشهد ملائكته على يوم المغفرة الأعظم لتنخلع القلوب خاشعة متذللة لله تعالى، وتهتز جبال مكة المكرمة خشوعًا لدموع الحجيج وتكبيراتهم وتهليلاتهم؛ هي اللحظات التي لا تصفها مجرد كلمات على السطور، ولا تصفها دموع قد سالت على الوجه، ولا تصفها إلا قلوب قد ذاقت حلاوة اللحظة وارتمت بين أحضان توبتها معلنة الانكسار والندم، وهاهو يوم عرفة يقترب يهل علينا بعظمته لكل مسلم حاج ولكل مسلم غير حاج ليعلن رحمة الله ومغفرته التي وسعت كل شيء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.