ميلاد جديد لنقابة اتحاد الكتّاب المصريين :ديمقراطية تُولد من رحم القلم

ميلاد جديد لنقابة اتحاد الكتّاب المصريين : ديمقراطية تُولد من رحم القلم

بقلم:د. عمر محفوظ كاتب وناقد

يبدو أن مصر على موعدٍ مع ميلادٍ جديد… لا لطفلٍ يُبشِّر بالأمل، ولا لصباحٍ يطرد ظلمةَ القهر، بل لنقابة الكُتّاب وقد انتفضت من تحت ركام السكون، وتحرّكت أخيرًا لتكتب سطرًا جديدًا في دفتر العدالة والديمقراطية، سطرًا لم تكتبه أقلام الشعراء ولا النقاد، بل خطّته الإرادة الجماعية لأهل القلم الذين ضاقوا صبرًا بالعشوائية، وبالباب المغلق أمام المواهب، وبالتمثيل الكاذب الذي كان يُقدَّم باسمهم.
نحن نشهد ولادة اتحاد كُتّابٍ جديد، لا على مستوى الأسماء والوجوه فحسب، بل على مستوى الروح والفكرة والتشريع. اتحادٌ يتطهَّر من رواسب الماضي، ويغسل وجهه من غبار السنوات الثقيلة التي مرت عليه كأنها فصول جفاف لا يأتي بعدها مطر.


تعديل القوانين: من الركود إلى العدل
ما جرى ليس حركة تجميلية في جسدٍ هرم، بل عملية جراحية دقيقة في قلب النقابة، قلبها القانوني والتنظيمي. قوانين كانت تحجّر دم النقابة وتخنق أنفاسها قديمةً ومهترئة، فجاء التعديل ليضع الدماء الجديدة في الشرايين، لا ليمنحها شبابًا زائفًا، بل ليستعيد بها شرعيتها ودورها الحقيقي كحاضنة للأدب وحامية لحقوق المبدعين.
القانون الجديد لا يُقصي، بل يُقوِّم. لا يُجامل، بل يُنظِّم. وقد أصبح من حقنا أن نفخر بأننا أمام نقابة تُشرّع لمستقبلها بعينٍ على العدالة وأخرى على الكفاءة، لا على التوازنات الهشة ولا التحالفات المريضة.
لجنة القيد: لا قداسة لأحد بعد اليوم
ربما كانت لجنة القيد في الماضي ساحة للترضيات أو سيفًا يُشهر ضد كل من لا يرفع راية الولاء، لكن اليوم… اللجنة تُعاد هيكلتها لتكون لجنة قيد لا قيدٍ على الموهبة.
تنظيم لجنة القيد جاء ليضع معايير واضحة لا تقبل الهوى، وليمنح الأمل للمبدعين الجدد أن باب الاتحاد مفتوح لمن يستحق، لا لمن يعرف، وأن الانتماء لهذا الكيان العظيم لم يعد محصورًا في صالونات النفاق ولا ندوات المجاملة.
إشراف قضائي: حماية الصندوق من الخيانة
أما الإشراف القضائي على الانتخابات، فهو ليس فقط خطوة نحو الشفافية، بل هو حماية حقيقية لإرادة الكتّاب من أن تُزوّر أو تُخطف أو تُبدَّل. لقد تعبنا من الانتخابات التي تُدار كأنها جلسة عرفية، ومن النتائج التي تُعلن قبل أن تُفرز الأصوات.


الإشراف القضائي يُعيد الاحترام للصندوق، ويجعل كل صوت أمانة لا ورقة عابرة، وكل مرشحٍ مسؤولًا أمام القانون لا أمام القبيلة أو الشلَّة. إنه انتصارٌ لقيمة “النقابة” كمؤسسة لا كعزبة.
د. علاء عبد الهادي ومجلس الإدارة: قيادة تُجدد ولا تُعيد التدوير
لن يكون من الإنصاف الحديث عن هذا التحوّل دون الإشارة إلى الدور المحوري الذي لعبه د. علاء عبد الهادي، رئيس الاتحاد، ومجلس إدارته. لقد اختار الرجل طريق الإصلاح لا الترميم، طريق المواجهة لا التسكين.
لم يخشَ العواصف، ولم يُداهن، ولم يرفع شعار “الاستقرار” الزائف الذي يعني في كثير من الأحيان إبقاء الأمور على ما هي عليه. بل خاض معركة تشريعية وإدارية شاقة لتكون النقابة لكل كاتب، لا لِفئة، ولا لِمجموعة، ولا حتى لمجلس.
ديمقراطية تحت ظلال القلم
الديمقراطية لا تعني فقط حرية التصويت، بل حرية الفكرة، وتكافؤ الفرص، وصوت الكاتب الذي لا يُهَمَّش لأنه مختلف، أو لا يُستبعد لأنه لا يُطَبِّل.
ولأول مرة منذ سنوات نشعر أن النقابة بدأت تُشبهنا، تُشبه آمالنا وطموحاتنا، وتُشبه حتى غضبنا حين نُقصى دون وجه حق. ديمقراطية حقيقية تُكتب تحت ظلال القلم، لا تحت وطأة الهتاف.
ما يحدث في نقابة اتحاد الكُتّاب ليس مجرد تعديل قانون أو ترتيب انتخابات، بل هو ولادة ضمير. ضمير نقابي جديد يحترم الموهبة ويحتضن الاختلاف ويُنصت للهمس في زوايا الوطن الإبداعي المنسي.
لن نُعلّق الأحلام هذه المرة في رقبة مجلس ولا رئيس، لكننا سنُمسك بها جميعًا ونصنع بها اتحادًا لا يُقصي أحدًا، ولا يُخيف مبدعًا، ولا يُكافئ إلا الفكرة والموهبة والعمل.
لقد وُلد الاتحاد من جديد… فهل نكون نحن أيضًا جيل الولادة؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.