مهازل الثانوية العامة .. أحلام ضاعت ونفوس تحطمت

 

 

كتبت: زينب النجار

 

كانت الثانوية العامة في مصر دائمًا سنة فاصلة، لكنها تحولت هذا العام إلى كابوس جماعي. الطلاب الذين قضوا شهورًا بين الكتب والمراجعات، محرومين من النوم والراحة، دخلوا الإمتحانات بأحلام كبيرة وثقة في أن تعبهم سيؤتي ثماره. لكن ما إن ظهرت النتيجة، حتى تحولت تلك الأحلام إلى رماد.

مقاعد كليات القمة

الكثير من الطلاب المجتهدين، الذين كانوا يرون مقاعد كليات القمة قريبة المنال، فوجئوا بمجاميع لا تعكس مجهودهم ولا مستوى تحصيلهم. بعضهم انهار من الصدمة، والبعض الآخر أصيب بحالة إحباط شديدة جعلته يشعر أن كل ما مر به من تعب وضغط نفسي كان بلا جدوى ،الخيارات أمامهم صارت محدودة وقاسية: إما قبول كلية لا علاقة لها بطموحاتهم، أو التوجه إلى جامعة خاصة برسوم باهظة لا تستطيع معظم الأسر دفعها. وكأن النظام التعليمي يقول لهم صراحة: “إذا لم يكن لديك المال، فليس لك حق في تحقيق حلمك”. هذه الرسالة القاسية دمرت معنويات آلاف الأسر، وأدخلت الطلاب في دوامة من الاكتئاب .

أيها السادة، لسنا اليوم أمام أزمة تعليم فحسب، بل أمام جريمة مكتملة الأركان تُرتكب في حق جيل كامل. جيلٌ حمل الحلم في قلبه، وسهر الليالي يحفره في عقله، فإذا بالنتيجة تأتي كصفعة تهوي على وجهه بلا رحمة. جيلٌ ذاق مرارة الظلم مرتين: مرة حين حُرم من ثمرة جهده، ومرة حين وُضع أمام أبواب الجامعات الخاصة التي لا ترى فيه طالب علم، بل “زبونًا” عليه أن يدفع قبل أن يحلم. هذه ليست منظومة تعليم، بل سوق نخاسة للأحلام.

أيها القارئ، هل جربت أن ترى ابنك أو ابنتك يحترقون ليلًا ونهارًا في سبيل حلم، ثم ترى هذا الحلم يُسحق تحت أقدام نظام تعليم لا يعرف معنى العدل؟

 

حال أهالي طلاب الثانوية العامة

هذا هو حال آلاف الأسر هذا العام. عامٌ من التعب والسهر والدموع، عامٌ من الحرمان من أبسط متع الحياة، عامٌ من الصبر على الضغط النفسي والعصبي، وفي النهاية، صدمة تخلع القلب من مكانه!

فإذا بالمجاميع لا تشبه تعب أبنائنا في شئ درجات ضئيلة حطمت الآمال، وفتحت الباب أمام الإحباط والاكتئاب. طلاب كانوا يرون أنفسهم أطباء ومهندسين وصيادلة، وجدوا أحلامهم تُنتزع منهم في لحظة، وكأن السنوات الماضية كانت مجرد عبث لا قيمة له.

 

ولم يكتفِ القدر بهذه الضربة، بل جرّعهم كأسًا آخر من المرارة: أبواب الكليات الحكومية أُغلقت، وها هي الجامعات الخاصة والأهلية تلوّح كأنها طوق النجاة… لكنها طوق من نار. أسعار خيالية، مقدم حجز غير قابل للاسترداد يتراوح بين ألفين وأربعة آلاف جنيه، وشرط الدفع قبل حتى أن يعرف الطالب مصيره. مشهد يثير الغضب ويستفز الكرامة، وكأننا أمام مزاد علني أو عرض تجاري موسمي:

 

 أحجز الأن قبل نفاذ المقاعد شعار الجامعات الأهلية والخاصة

 

أهذا تعليم؟ أم سوق يتاجر في أحلام شبابنا؟

إن المشهد بات أشبه بعروض المتاجر الكبرى أو “كازيون”: مقاعد محدودة، سارع بالحجز، وإلا فاتك العرض! أي إهانة أكبر من أن يُعامل التعليم، رسالة الأنبياء والصالحين، بهذه الخفة والاستخفاف؟

 

ثم يأتي السؤال الذي ينهش قلوب الأهالي والطلاب: هل هذه الجامعة معتمدة؟ هل شهادة هذه المؤسسة ستُفتح لنا بها أبواب العمل في الداخل أو الخارج؟

 

وإذا كانت الإجابة “نعم” على الورق، فماذا عن الحقيقة؟ عن المعامل؟ عن التجهيزات؟ عن المستوى العلمي؟ عن مئات القصص التي تُروى عن جامعات بلا بنية تحتية، بلا تدريب عملي، بلا مستقبل واضح؟

 

رسالة للمسؤولين

أيها السادة المسؤولون… أنتم تصنعون جيلًا محطمًا، جيلًا تعلم أن النجاح لا يُقاس بالعلم ولا بالتفوق، بل بما في الجيب من مال. أنتم تسلبون الحافز من نفوس أبنائنا، وتزرعون بدل الأمل شعورًا بالظلم والقهر.

إننا نقولها بصوتٍ عالٍ: التعليم حقٌّ مقدس، وليس سلعة تُعرض في مزاد!

نطالب بإصلاح جذري وفوري لمنظومة القبول بالجامعات، وضمان وصول المجتهدين إلى أماكنهم المستحقة، وخفض الرسوم لتناسب دخل الأسر، وضمان الجودة الحقيقية والاعتماد الفعلي لكل مؤسسة تعليمية، ووقف الممارسات التجارية المهينة.

فلتعلموا أنكم إن قتلتم الحلم في قلوب أبنائنا اليوم، فلن تستطيعوا إحياءه غدًا، وإن جعلتم العلم سلعة، فستحصدون جيلًا لا يؤمن بالعلم ولا بالوطن، فنحن هنا لنقولها بصوت مرتفع: أحلام أبنائنا خط أحمر… والتعليم حق لا يُشترى ولا يُباع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.