تسجيل الدخول
تسجيل الدخول
استعادة كلمة المرور الخاصة بك.
كلمة المرور سترسل إليك بالبريد الإلكتروني.
أه يا بلد
لن يبقىَ شيئٌ من حِكمَتِكِ
سوىَ حِكاياتٍ مُلَفَّقة
لن تلقىَ تصديقاً
حتَّىَ مِن ابنائكِ انفُسَهُم
لن يَبقىَ شيئٌ يًروىَ مِن حِكمَتِك
إلَّا على حِجارة القبور
…
آه يا بلد صَرخةٌ أطلِقُها إله الحِكمة عِند اجدادنا الجِيبتيين (الإله تحوت) مُنذُ آلاف السنين لكِنَّها لم تَصل إلى مسامِعِ مَن يَعي ، ولم يَستَفقُ المَسروق لِما سُرِقَ مِنه ، كيف يُسرَقُ مِن دولةٍ أسمَها رغم انَّها ترتدي فوقَ هذا الأسم حضارة سبعةً الآف سنة ، كيف يُسلَبُ اسمها منها وبمُنتهىَ البساطة تُمنح اسماً اخر ، ثُمَّ تعيشُ به باقي عُمرها وهى قانِعةٌ ومُقتَنِعة بإسمٍ غيرَ اسمها الَّذى منحَها إيَّاهُ ابناءها مِن اكثر مِن سَبعة الاف سنة ، تعالوا معي نتَعَرَّف على السَّارِقِ والمَسروق .
لو امعنَّا النَّظر فى اسماء البلاد لوَجدنا انَّ الأسماء تُنطق فى كُلِّ اللُّغات نُطقاً واحِداً مع اختلاف طريقة النُّطق حسب اختلاف اللُّغة ، فنجدها تُنطق بالعربيَّة بنفس طريقة نُطقها بالإنجليزية مثلا او بالفرنسيَّة او بأى لُغةِ اُخرىَ ، ونجدُ انَّ مِصرَ هى البلد الوحيد الَّذى يُنطق بالعربيَّة (مصر) وبباقى اللُّغات (إيجيبت) ومشتقاتِها بالفرنسية او الإيطالية او الأسبانية او الألمانية ، فما هو التفسير المَنطقي لهذا الموضوع .
مِن قديم الأزل ومُنذُ بزوغ فجر الحضارات فى العالم اطلقنا على بلادنا اسم (إيجيبت) وكان يرمُز فى المتون القديمة إلى الماء الأزلي الَّذي بَرزت منه الأرض وكان يحملُ عرش الرَّحمن , ويعني ايضاً الأرض السَوداء الفَذَّة المغمورةُ بالماء والَّتى تتَميَّزُ بالخُصوبة ، ارضُ الرَّخاء الوافِر والطَّمى الَّذي لا نَظيرَ له ، وتلك هى القَداسةُ الَّلا نهائية الَّتى احطنا بها اسم بلادنا مُفَرِّقين فى ذلك الوقت بينها وبين البلاد الصَّحراوية ذات الجفاف الأصفر حولنا .
إيجيبت .. هو الأسم الحقيقي لبلادنا والمُسَجل فى النصوص القديمة وحتَّى مِن قبل تكوين الأسرات القديمة ، وقد اكَّدَ ذلك الدكتور (اسامة السعداوى) من قاموس (واليس بدج) الشَهير والمُتخصِص فى الخط الهيروغليفي .
المزيد من المشاركات
كان هذا الأسم عند القدماء الجيبتيين يُمَثِّلُ اسم الجنَّة , وقد ثَبُتت الكلمة نُطقاً ولفظاً ومعنى فى استعمالات كُلِّ الشُّعوب قديماً وحديثاً ، وذلك مُنذُ ان دُوِّنت فى متون البرديَّاتنا القديمة وحتَّىَ اليوم ، وقد اتَّفقَ عُلماء الآثار على كلمة (إيجيبت) لكِنَّهُم اختلفوا فى مصدرها :
فمنهُم من قال انَّ مصدرها كلمة (كيمت) وهى كلمة جيبتيَّه قديمة ومعناها (ارض الطَّمى الأسود) وقالوا انَّ اهل البلاد سَمَّواْ انفُسَهُم بهذا الأسم (كيمت يو) اى (اهل كيمت) وردَّدوا عبارات تَصِفَهُم بأنَّهُم شعب الشَّمس ، وشَعب النِّيل ، وشَعب السَّماء ، وشعب الإله ، وادَّعوا انَّهُم صُوَرٌ مِن السَّيد المُطلق اى رب الأرباب وقد تشَكَّلوا مِن جَسَدِهِ وانهَمروا مِن دموعِهِ ، وسمُّوا لُغَتَهِم (رن كيمت) وقالوا انَّ هذا هو مصدر كلمة (جِيبت و إيجيبت و قِبط) ، وقد أورَدَ هذا الدكتور عبد العزيز صالح فى كتابه (حضارة مصر القديمة وآثارها) تحت عنوان (اسم مصر) .
وكان للقصص التوراتية رأىٌ آخر فى الموضوع :
فقد نسبَ بني إسرائيل اسم بلادنا لأساطيرِهم الوَهمية وقالوا انَّه اسمٌ مُشتَقٌ مِن اسم حفيد نوح (كفتوريم) وهو ابن (مِصراييم) ابن (نوح) وذلكَ بُناء على ما اورَدته التَّوراة فى الإصحاح الخامِس مِن سِفر التَّكوين والَّذي يُذكَرُ فيه تسَلسُل اعمار البَشر بدأً مِن آدم ثُمَّ نوح إلى إبراهيم عليهم السلام ، واستِناداً على ما ورَدَ فى هذ السِّفر ، فقد قَدَّروا عُمر الخَليقة على الأرض مُنذُ خلق آدم إلى رسالة عيسى عليهم السلام إلى 5589 سنة (خمسة آلاف وخُمسمائة وتِسعة وثمانون سنَةً فقط لا غير) ، ولو انَّنا استَندنا على هذا الحِساب لوجدنا انَّ اجدادنا قد وَضَعوا اُسس العِلم والحِكمةُ والأديان قبل خلق آدم نَفسه ، وذلك طِبقاً لحسابات التوراة او بالأحرى انَّهُم يُريدون طَمس الحضارة الجيبتيَّة القَديمة الَّتى كانت قبل هذا التَّاريخ مِن الوجود ، او انَّهُم يُريدون ان يَنسبوها لأنفُسَهِم ، وبذلك ظَنُّوا انَّهُم تمكَّنوا مِن إمساك العصا مِن المُنتَصَف واحكموا القَبضة على الطَرَفين (كفتوريم ومِصراييم) فإن كان اسمها مِصر فهى منسوبة إلى (مِصراييم) وإن كان اسمُها إيجيبت فهى منسوبة إلى (كفتوريم) .
لِذا رفضَ عُلماء الآثار والتاريخ هذا التَمَحُّك العِبراني وهذا التَلفيق البَيِّن شكلاً وموضوعاً ، إذ كان اسم بلادنا (إيجيبت) وذلك مِن قبل ان يُولد كفتوريم ومِصراييم وحَتَّىَ نوحٌ نفسه ، ولكن الغريب أنَّ بَعضَهُم عِندما اراد تفسير مَصدر كلمة (إيجيبت) رَدُّوها إلى مَصدر إغريقي وهو (إجيبتوس) فكيف يكون هذا !!! ؟ ، هل يستقيم لبلدٍ تقومُ فيها حضارة من اعظم حضارات العالم وتَشُب وتَنمو وتتوَسَّع وتَعظُم هندسياً وطبِّياً وفلكياً وتكون قِبلة الكُرة الأرضِيَّة وتستَمِر هَكذا آلاف السنين دون ان يُعرف لها اسم ، وتجلس فى انتظار الغُرباء ليُطلِقوا عليها إسماً ، هذا والله لا يُعقل ، فهل انتظَرنا الهكسوس عرباً وعِبرانيين ليُطلِقوا عليها اسم مِصر المُشتق مِن مِصراييم ، وانتظَرنا اليونانيون ليُطلِقوا عليها اسم إيجيبتوس ، هل هذا مَنطق ؟ ، فقد حفظ لنا العالم كلَّه اسم بلادنا كما اطلقنا عليها (إيجيبت) ، وتحَرَّكت كلمة إيجيبت بين السِنة الأُمم فنطقها اليونانيون (إيجيبتوس) والرومانيون (إيجيبتِف و إيجيبتو و إيجيبتي وإيجيبت) ونطَقها الصينيون (إجي) ونطقها الفينيقيون (كيبتو) ونطَقها الآرام والفُرس والعَرب (قِبط) وكُلُّها مُشتقات إيجيبت ، ومِن إيجيبت جاءت تَسمية (جيبتي) او(قِبطي) اى المواطن الَّذي يعيش فى بلاد إيجيبت ، إذاً فهي جنسِيَّة وليست ديانة ولذلك نجد المسيحي الغير مصري لا يُطلق عليه قِبطي لأنَّه ليس قِبطياً بالفِعل ولكنَّه مَسيحيِّ .
على مدى التاريخ القديم والأزمِنة الغابرة لم يُعثر على دليلٍ واحد او اثرٌ واحد على جُدران المعابد او المقابر او البَرديَّات يُوحي بأنَّ اهل البلاد اطلقوا اسم مِصر على بلادنا ، ولم تعترِف اىٍّ من دول العالم القديم بهذا الأسم ، فكيف يُمكن لبلادٍ عريقة مثل بلادِنا ان يُشاعَ لها اسمٌ لا اثر له لا على جُدران المعابد الَّذي كانوا يُدوِّنون عليها كُلَّ شيئ ولا فى تاريخها المُمتد آلاف السنين ؟ بينما تحتَفظ كُلِّ بلاد العالم بأسمها القديم (إيجيبت) .
(مِصر) اسم وَرَد صريحاً وواضِحاً فى القُرآن الكريم خَمس مَرَّت ، وقد اطلقت بلاد الشرق القديمة على بلادنا الأسم الَّذي اخترناه نحن لها (إيجيبت او قِبط) واطلقوا على المُدن الموجوده على الحدود كلمة (مِصر) فالمِصرُ تَعني الحَدِّ الفاصل بين شيئين ، وكانت تُنطَق فى اللُّغة الآشورِيَّة (مِشر) وفى اللُّغة الآراميَّة (مِصرين) وفى اللَّغة الآكاديَّة (مِصري) وفى اللُّغة الفينيقيَّة (مِصْوَر) وفى اللُّغة العِبرِيَّة (مِصراييم) وفى اللُّغة العَرَبيَّة والبابليَّة (مِصر) وهى الحَد او الفاصل او الصَّقع بين الأرضينِ ومن هُنا جاءت كلمة (المِصران) الَّتي اطلقها العرب على مدينتي البَصرَة والكوفة وجمعُها امصار .
عِند مجيئ الهكسوس إلى بلادِنا واحتلالهُم جُزءً مِن ارضنا كان هذا الجُزء هو الحَد الفاصِل بين ارض وادى النِّيل وارض سَيناء ، ثُمَّ اسَّسوا مملكة داخل مُقاطَعة واطلقوا عليها اسم (مِصر) طِبقاً للُغًتِهِم ، ثُمَّ قاموا بتحويل حِصن على الطَّرف الشَّرقيِّ للدِّلتا بالقُرب من مدينة القَنطَرة إلى مدينة مُحَصَّنة وجعلوها عاصِمةً لهُم واطلقوا عليها اسم (هَوَّراة) وهو اسمٌ آرامي يعني باللُّغة العَرَبيَّة (المَدينة) حيثُ انَّ اللُّغة العَرَبيَّة والعِبريَّة من مُشتقَّات اللُّغة الآرامية وهذا فقط للمعرِفة ، ونجد ايضاً انَّ إبراهيم عليه السلام وُلِدَ ونشأ فى بلدِ اسمها (أور او هور) فى بابل (العراق) وهي ايضاً تعني المدينة وعندما اراد الإسرائيليين ان يبنوا لأنفُسِهم مدينة فى ارض فلسطين اطلقوا عليها (اور- شَليم) اى مدينة السلام ، وقد أقَرَّ القُرآن الكريم اسم المدينة عِدَّة مَرَّات حيثُ قال عَزَّ وجَل :
(ودخل المَدينة على حين غَفلة مِن أهلِها فوجَد فيها رُجلين يقتتلان هذا مِن شيعتهِ وهذا مِن عدوِّه فاستغاثه الَّذي من شيعتِهِ على الَّذي مِن عدوِّه فوكَزهُ موسىَ فقَضىَ عليهِ ، قال هذا من عمل الشيطان إنَّه عدوٌ مُضِلٌ مُبين) القَصص 15 .
(وجاء رجُلٌ مِن اقصىَ المدينةِ يسعىَ ، قال يا موسىَ إنَّ الملأ يأتَمِرون بِكَ فاخرُج إنِّي لك مِنَ النَّاصحين) القَصص 20 .
ففى هذه (المدينة) المُحَصَّنة ذات الموقع الجُغرافي المُتَميز الَّتي تقع بين بلاد وادي النِّيل مِن جِهة وبلاد الشَّام والعَرب مِن الجِهة الأُخرىَ عاش الهكسوس تحت حُكم ملوكهم ولكنَّها جُزءٌ مُحتَّلٌ مِن ارضِنا .
احتلَّ الفُرس بلادنا لِمُدة 135 عاماً على مَرَّتينِ ولم يُغَيِّروا اسمها على الإطلاق وظَلَّ اسمها (بلاد القِبط) ودخلوا البطالمة بلادنا واستوطَنوها واحدثوا فيها بعض التَّغيِّرات فى مُسَمَّيات الأقاليم والمُدن والقُرىَ وغَيَّروا اسماء الغالبية العُظمىَ منها لأسماءٍ يونانية ، ولكنَّهُم لم يُغَيِّروا اسم البلد نَفسها وظَلَّ اسمُها (إيجيبت وإيجيبتوس) ، واحتلَّها ايضاً الرُّومان ولم يُغَيِّروا اى شَيئ وتركوها على وضعها الإغريقي (إيجيبتيف) .
ولمَّا ظَهرَ الإسلام وارسلَ رسول الله صلَّىَ اللهُ عليه وسَلَّم رسالته الشَّهيرة إلى حاكِم البلاد فى ذلك الوقت كان نَصُ الرِّسالة المُحَمَّدية هكذا :
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم ، مِن مُحَمَّد بن عبد الله إلى المُقَوقِس عظيم القِبط ، سلامٌ على مَن اتَّبَعَ الهُدىَ ، امَّا بعد ، فإنِّي ادعوكَ بدعاية الإسلام ، اسلِم تَسلَم ، واسلِم يؤتِكَ اللهُ اجرَكَ مَرَّتين ، فإن تَوَلَّيت فإنَّما عليك إثمُ القِبط .
وَرَدَّ عليهِ حاكِم بلاد القِبط :
لمُحَمَّد بن عبد الله مِنَ المُقَوقِس عَظيم القِبط ، سلامٌ عليك ، أمَّا بعد ، فقد قَرأتُ كتابكَ وفَهِمتُ ما ذَكَرتَ فيه وما تدعو إليه ، وقد عَلِمتُ انَّ نَبيَّاً قد بَقيَ ، وقد كُنتُ اظُنُّ انَّهُ يخرُج بالشَّام ، وقد اكرَمتُ رسولك ، وبَعثتُ إليك بجاريتين لَهُما مكانٌ فى القِبط عَظيم .
وهنا نجدُ انَّ الرَّسول عليه الصلاة والسَّلام لم يُرسل إلى حاكِم مِصر لأنَه لا يعرف بلدٌ اسمها مِصر فى ذلك الوقت ، وعِندما ردَّ عليه حاكِم البلاد رَدَّ بصِفته حاكِم القِبط حتَّىَ ولو كان غير قِبطيَّاً .
ولَمَّا قال رسول الله عليه الصلاة والسَّلام لصحابته (سيفتح الله عليكُم مِصرَ فاستَوصوا بأهلِها خيراً فإنَّ لكُم فيها صِهراً وذِمَّةً وفى روايةٍ آُخرىَ ذِمَّةً ورَحِماً) .
هُنا نَجدُ انَّ الرَّسول عليه الصلاةُ والسَّلام يُخاطِب صحابته (العَرب) والمَقصود (بالصِّهرِ والرَّحِم) هو زواج نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسَّلام مِن هاجر(المَصريِّة) لأنَّها كانت مِن قَرية (أُم العَرب) الَّتي تَقع بجوار الفَرما بمَدينة (مِصر) بسيناء .
ولذلك يُقال هاجر المِصريَّة أمَّا ماريَّا فيُقالُ لها (ماريَّا القِبطيَّة) لأنَّها كانت مِن القِبط (بلاد وادى النِّيل) وليس لأنَّها كانت مسيحيَّة كما يَظُنُّ النَّاس وتحديداً كانت مِن مُحافظة إلمنيا الحالية .
فى اثناء الوجود اليوناني فى بلاد إيجيبت (القِبط) وتحديداً فى عصر بطليموس الثَّاني (فلادِلفيوس) كان هُناك عدد مِن اليهود يعيشون فيها وكانوا يتَحدَّثون اللُّغة اليونانية الَّذي فرضها البطالمة على اهل البلاد ولا يتَحدَّثون اللُّغة السُريانيَّة المكتوب بها التوراة وكان بطليموس الثاني لديه اهتمام بجمع اكبر عدد من الكُتب فى مكتبة الأسكندرية عاصِمة العِلم وقِبلة العُلماء فى ذلك الوقت ، فاقتَرح عليه بعض اليهود المُقَرَّبين منه فى البلاط الملكي إستِضافة سِتَّةَ حاخامات مِن كُلِّ سِبط مِن اسباط اليهود الإثنىَ عَشر مِن (اورشَليم) لترجَمة التَّوراة مِن العِبريَّة إلى اليونانيَّة لإثراء مكتبة الأسكَندَريَّة ولكى يستَفيد منها اليهود القاطِنون في إجيبت ، وعلى هذا يكون مجموع الحاخامات الَّتي تَمَّ استِضافَتَهُم من (اورشَليم) إثنين وسَبعون حاخاماً ، وقد تَمَّ إنجاز مُهِمَّة هذه التَّرجَمة فى سبعين يوما ، لذلك سَميَّت هذه التَّرجَمة الشَّهيرة (بالتَّرجَمة السَّبعينيَّة) ، وجاء الإثنين وسَبعون حاخاما إلى الأسكندرية وبدأوا فى التَّرجَمة ، وبمُنتهى السّهولة استَبدلوا كَلمة (مِصر) مِن التَّوراة بكلمة (ايحيبت) ، فانتقلت بكل بساطة كل احداث وقِصص بنى إسرائيل ويوسُف وفِرعون وموسى من مُقاطَعة (مِصر) على حدود وادى النِّيل وسيناء إلى (ايجيبت) بلاد وادى النيل العِملاقة المُمْتَدَّة مِنَ (اسوان اى سون) جنوبا إلى (الأسكندريَّة اى راقودا) شمالاً ، وقد انتشر هذا الخَبر فى العالم بواسطة التَّوراة السَّبعينيَّة الَّتى خَرَجت إلى جميع انحاء اوروبا ، واستَمَرَّ هذا التَلفيق إلى يومنا هذا .
ولدينا مثال يوَضِّح لنا كيفيِّة إتمام هذه السَّرِقة التَّاريخيَّة مع سَبق الإصرار والتَّرَصُّد :
إذا قَرأنا العبارة 21 / 21 مِن سِفر التَّكوين نجدُها كما يلي :
(وسَكَنَ فى بَرِّية فاران ، وأخَذت له امه زوجةً مِن ارض مِصر) التَّكوين 21/21 قبل التَّرجَمة السَّبعينية .
فكَلمة (مِصر) هى التَّرجَمة العَربيَّة لكَلمة (مِصراييم) العِبريية ، ولكن فى التَّرجَمة السَّبعينيَّة مِن السُّريانيِّة إلى اليونانية جاءت هكذا :
(وسكن فى بَرِّية فاران ، واخذت له امُّه زوجةً مِن ارض إيجيبت) التَّكوين 21/21 بعد التَّرجَمة السَّبعينية .
وقد اشار الباحث البريطاني الشَّهير(تشارلز بيك) المُتَخَصِّص فى البحث التَّوراتي والَّذى تَمَيَّزَ برؤية غير تَقليديَّة لمثل هذه الأمور ، ووضعَ كتاباً يوَضِّحُ فيه التَّصَور الخاطئ الَّذي رسخ فى اذهان النَّاس مِن انَّ مِصراييم الَّتي وَرَدت فى النَّص التَّوراتي هى مِصر إيجيبت الَّتي يعرفها الجميع بهذا الأسم ، وقال إنَّ مِصراييم مملكة زائلة كانت موجودة فى ارض شبه جزيرة سيناء ، وأنَّ الإسرائليين خرجوا مِن تلك المملكة ، وإنَّه يراهن على صِحة ذلك بسُمعَتهِ كرَحَّالة وباحث توراتي مُتَخَصِّص .
وهكذا تَمَّ محو مملكة إيجيبت (القِبط العُظمىَ) بعلومِها وامجادِها مِن الوعى الثَّقافي ، وهكذا تَمَّ إزاحة بل إزالة شَعب القِبط العَريق وتحويله إلى مِصريين ، هكذا نُهِبت مملكة إيجيبت العُظمىَ وحضارتها العَريقة بعد ان اُقحِمَ اسمها عِنوةً فى التَّوراة السَّبعينية بواسطة تحريك الدلالات لكي تُصبح بلادُنا وشعبنا وحضارتنا العَريقة مُلكاً ثقافياً مُقَدَّساً لليهود من دونِ عناء ولا مَشَقَّة .
بمُجَرَّد مَجيئ العَرب إلى بلادنا للمَرَّةِ الثانية وهى الحُقبة الَّتي امتَدت من سنة 20 إلى سَنة 225 هِجرِيَّة بَنوا لأنفُسَهُم مِصراً على غرار مِصر الَّذي عاشوا فيهِ سابِقاً في سيناء اثناء احتلالَهُم الأول لبلادنا تحت اسم الهكسوس ، ولكن فى المَرَّةِ الثانية بنوها على ضِفاف النِّيل على شكل مُخَيَّم او مُعَسكر واطلقوا عليه اسم (الفُسطاط) وهى كلمةٌ تعنى (المُعَسكَر) ومِن يومِها سُمِّيت مدينة الفُسطاط واعتبرها عمرو بن العاص عاصمة للبلاد بدلاً من الأسكَندَريَّة ، وتوَسَّع الأسم إلى ان شَمَلَ القُطر كُلَّهُ فاصبح يُطلق على البَلد كُلَّها مِصر .
كانت ثقافة العَرب ثقافة سماعيَّة ، لهذا تأثَّروا سماعيَّاً بحكايات اليهود واساطيرههم واعتمدوا على ما قيل لهُم بأنَّ مِصراييم التَّوراة هى مِصر القُرآن، وهى نفسها بلاد القِبط ، فاقتَنعَ العَرب بأنَّ بلادنا بلاد وادى النيل هى مسرح قِصص بني إسرائيل ، ولمَّا انتشر الإسلام فى إيجيبت وكان الجيبتيين يأخذوا علوم الدِّين الإسلامي من العرب اقنعونا بأنَّ هذا الكلام مِن صُلب الدِّين ( وما هو مِن الدِّينِ فى شيئ) وهكذا سيطَرت كلمة مِصر واستحوَذت على كُلِّ بلاد إيجيبت وضاع الإسم الأصلي للبلاد مِن اهل البلاد فقد فعل العَرب عكس ما فعل اليونانبون ، غيَّر اليونانيون اسماء الغالبية العُظمىَ مِن المُدُن إلى اسماء يونانيَّة فيما عذا اسم البلد نفسها وتركوا لها الإسم الأصلى القديم (إيجيبت) امَّا العَرب فقد فعلوا عكس ذلك تماماً اى ارجعوا كُل مُسَمَّيات القُرىَ والمُدُن إلى اسمائِها القَديمة الجيبتيية إلَّا اسمها الأصلي فقد غَيَّروه مِن إيجيبت إلى مِصر .
وكان هذا ناتج عن إشكاليَّة غريبة بين ثقافة توراتيَّة قائمة فى اذهانِهِم من الإسرائليات وحكايات الحاخامات الَّذين دخلوا فى الإسلام وقالوا انَّ هذه البلاد هى مِصر الَّتي حدثت بها قِصص بني إسرائيل ، وبين واقع على الأرض ينفي هذا ، فلا اثرَ لهذا الإسم فى المخطوطات القَديمة ولا فى الخرائط ولا على جُدران المعابد ولا خراطيش المقابر ، لا توجد كلمة واحدة تدُل او تُشير إلى انَّ بلادُنا اسمها مِصر ، ولكن جميع المعابد والخرائط والبَرديَّات لا تعرف سوىَ إيجيبت ، وهو اسمٌ واحد ليس له ترجمة بأى لُغةٍ أُخرىَ ويُنطقُ بجميع اللُّغات .
إيجيبت او قِبط
إيجيبت – قِبط
مِصر
المقال السابق