من الاختراق إلى الذكاء الاصطناعي: رحلة تطور الجريمة الإلكترونية وكيفية المواجهة
ندوة توعوية تكشف تطور الجريمة الإلكترونية: من الاختراق التقليدي إلى تزيف الذكاء الاصطناعي
كتب باهر رجب
تحت رعاية النقابة العامة للعاملين بالهيئة العامة للاستعلامات

الندوة تفتح النقاش: جريمة بلا حدود في عالم رقمي متسارع
في إطار مبادرة “ثقافة رقمية آمنة”، عقدت مساء أمس ندوة توعوية موسعة بعنوان “الجريمة الإلكترونية: تطور التهديدات وآليات المواجهة”، بحضور نخبة من الخبراء والمتخصصين، وذلك في مقر النقابة العامة للعاملين بالهيئة العامة للاستعلامات. جاءت الندوة لمواكبة التسارع الرقمي غير المسبوق والتحديات الأمنية المصاحبة له، والتي تطورت من مجرد اختراقات بسيطة إلى عمليات معقدة تستغل أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي.
كلمة الافتتاح: التشريع ضرورة حتمية في عالم متغير
افتتح الندوة المهندس أشرف نفادي، نائب رئيس النقابة العامة للعاملين بالهيئة العامة للاستعلامات، مؤكدا أن “الفضاء الرقمي لم يعد بيئة هامشية، بل أصبح ساحة رئيسية للحياة الاجتماعية والاقتصادية، مما يحتم وجود تشريعات رادعة وتوعية مستمرة. القوانين مثل القانون المصري رقم 175 لسنة 2018 لمكافحة جرائم تقنية المعلومات تشكل أساسا صلبا، لكن المواجهة تتطلب تحديثا مستمرا لهذه الأطر و استباقا للتحديات الناشئة.”
المحور الأول: تطور الجريمة الإلكترونية.. رحلة من البريد المزعج إلى التزيف العميق
تطرق اللواء دكتور عبد الرازق مدكور، المتخصص في الجرائم الإلكترونية، إلى المسار التاريخي للجريمة الرقمية، قائلا: “لقد شهدنا تحولا من جرائم فردية محدودة في تسعينيات القرن الماضي، مثل الفيروسات البسيطة والبريد العشوائي، إلى جرائم منظمه . لقد أصبحت الجرائم الإلكترونية سلسلة توريد كاملة، فيها من يطور الأدوات، ومن يبيع البيانات، ومن ينفذ عمليات الابتزاز.”
كما أضاف مدكور: “التطور الأبرز يتمثل في الاحتيال عبر المتاجر الوهمية، حيث يقوم المجرمون باستنساخ مواقع تجارية حقيقية باحترافية عالية، مستخدمين عروضا مغرية لجذب الضحايا وسرقة بياناتهم المالية. لقد تحولت عملية الشراء عبر الإنترنت من رفاهية إلى ضرورة، وهذا ما يستغله المجرمون.”
المحور الثاني: الذكاء الاصطناعي.. السلاح ذو الحدين
كما أشار اللواء مدكور إلى الخطر الناشئ بقوة: “نحن على أعتاب موجة جديدة من التهديدات تستغل تقنيات الذكاء الاصطناعي. بات من الممكن إنشاء فيديوهات وتسجيلات صوتية مزيفة (Deepfakes) بصورة لا تكاد تميز عن الحقيقة، لاستخدامها في التشهير أو الابتزاز السياسي والمالي. كما تستخدم الخوارزميات في تصيد ضحايا محددين عبر تحليل بياناتهم على وسائل التواصل.”
ولفت إلى أن “حتى تزيف المواقع أصبح أكثر ذكاء، حيث يمكن للبرمجيات الخبيثة إنشاء نسخ طبق الأصل من صفحات الدخول للبنوك أو المنصات الحكومية، مع تحسينها لحظة بلحظة لخداع المستخدم.”
المحور الثالث: الإطار القانوني والوقاية الشخصية.. وجهان لعملة واحدة
كذلك استعرض الخبير القانوني في ورقته عشرة أركان أساسية للقوانين الحديثة لمكافحة الجريمة الإلكترونية، مركزا على:
1. تجريم الدخول غير المشروع والاعتداء على البيانات.
2. مواجهة الابتزاز الإلكتروني والجرائم المالية بصرامة.
3. حماية الخصوصية الرقمية كحق أساسي.
4. مسؤولية المنصات الإلكترونية في الحماية والتعاون.
5. مواجهة استخدام التقنية في أغراض إرهابية.
“طور وغير”.. مبادرة جديدة لتمكين الشباب وإتقان لغة المستقبل مجانا
كما شدد على أن “القانون المصري يتوائم مع هذه التحديات، حيث يعاقب على انتحال الهوية والاحتيال الإلكتروني بعقوبات تصل للحبس وغرامات مالية كبيرة، كما يلزم مزودي الخدمة بحفظ البيانات والتعاون مع التحقيقات.”
كما قدم دليل وقائي عملي للحضور:
– التبليغ الفوري: حفظ الأدلة الرقمية والتوجه للجهات المختصة مثل الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات أو النيابة العامة.
– الحذر من المتاجر الوهمية: التأكد من وجود https والبيانات القانونية للموقع، واستخدام وسائل دفع آمنة.
– التشكيك الدائم: عدم الثقة العمياء في المحتوى المرئي أو المسموع، وخصوصا في الطلبات غير المتوقعة للبيانات أو الأموال.
المحور الرابع: التنمية المستدامة والأمن الرقمي.. شركاء في بناء المستقبل
كما اختتمت الندوة بورقة مقدمة من الدكتورة مي الطباخ، المتخصصة في التنمية المستدامة، ربطت فيها بين الأمن الرقمي ومستقبل التنمية. و أوضحت أن “الثقة في الفضاء الرقمي هي ركيزة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. لا يمكن الحديث عن نمو اقتصادي شامل مع انتشار جرائم الاحتيال الإلكتروني التي تقوض ثقة المواطن في المعاملات الرقمية. كما أن حماية البيانات الشخصية مرتبطة ارتباطا وثيقا بحقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية.”
ودعت إلى “دمج التوعية بالأمن السيبراني في المناهج التعليمية، وبناء القدرات الوطنية في هذا المجال، لأن المواطن الواعي هو الخط الدفاعي الأول. الاستدامة الرقمية تعني بناء بيئة رقمية آمنة وعادلة تمكن الجميع من المشاركة والاستفادة دون خوف.”
التوصيات الختامية: نحو استراتيجية وطنية شاملة
خرجت الندوة بعدد من التوصيات المهمة:
1. تحديث التشريعات باستمرار لمواكبة التطور السريع لتقنيات الجريمة، وخاصة تلك المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
2. تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في التوعية.
3. إطلاق حملات وطنية مبسطة لتوعية كافة فئات المجتمع، وخاصة كبار السن والشباب، بمخاطر المتاجر الوهمية و تزيف الهوية.
4. الاستثمار في البحث والتطوير لاكتشاف وتحييد التقنيات الناشئة المستخدمة في الجريمة.
5. تعميم مبادئ الأمن الرقمي كجزء من ثقافة المواطنة في العصر الحديث.
خلاصة القول:
الجريمة الإلكترونية تتطور بسرعة الضوء، لكن المواجهة ممكنة بثلاثية: تشريع رادع حديث، توعية مستمرة ذكية، وتعاون وثيق بين جميع الأطراف. الندوة كانت خطوة في مسار طويل نحو فضاء رقمي مصري آمن، يحمي حقوق الجميع ويُطلق طاقات الابتكار.