مناقشة وتوقيع “تحولات الثقافة في مصر” بالقنصلية الفرنسية.. الخميس
تعد الكتاب بمثابة تحريك للمياه الراكدة، فقد شهدت الثقافة المصرية مؤخرا تغيرات كثيرة ليست في الصالح المصري، وباتت القوة الناعمة لمصر في خطر شديد، حتى إن الساحة الثقافية شهدت تنافسا كبيرا على احتلالها من قبل العديد من مندوبي الثقافات المجاورة، وهو ما يعد أمرا بالغ الخطورة على الثقافة المصرية، في ظل صمت وربما عدم وضوح رؤية لدى الجانب المصري.
فيما تقيم مؤسسة بيت الحكمة، ودار النسيم للتوزيع والنشر، في السابعة من مساء الخميس الموافق 19 أكتوبر الجاري، حفل توقيع ومناقشة كتاب “تحولات الثقافة في مصر” للكاتب صبحى موسى، بمبنى القنصلية الفرنسية بشارع طلعت حرب وسط القاهرة.
يناقش الكتاب ومؤلفه، الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية وأستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، والدكتور كمال مغيث الخبير التربوي، وتدير النقاش الإعلامية الكبيرة منى سلمان.
يسعى صبحى موسى عبر “تحولات الثقافة في مصر” لرصد علاقة الدولة بالثقافة منذ العصر الملكي حتى الآن، وكيف ارتبطت الثقافة بتوجهات الدولة، ففي العصر الملكي كانت وزارة المعارف هي المسئول الأول عن رسم خطط الثقافة في البلاد، وتتبعها كل المؤسسات المتعلقة بالتعليم والثقافة والفنون، وبعد ثورة يوليو ظهرت العديد من الوزارات، في مقدمتها الاعلام، والثقافة التي ارتبطت في البدء بالإرشاد القومي، وسرعان ما استقلت عنها. بالإضافة إلى وزارة التربية والتعليم التي أتت بديلا عن وزارة المعارف، فضلا عن المجلس الأعلى للجامعات. وظهرت العديد من المؤسسات التي تبعت كل هذه الوزارات.
وأعطت الدولة قوة في نشر رؤيتها بمختلف ربوع البلاد وأقاليمها، وكان وزير الثقافة نائبا لرئيس الوزراء، وعادة ما كان يجمع بين الثقافة و الاعلام والتعليم والسياحة. وفي عصر مبارك توسعت هذه الوزارات بشكل كبير، حتى أن وزارة الاعلام شهدت طفرات مهمة، بدءا من القنوات التلفزيونية الإقليمية وصولا إلى عصر الستالايت ومدينة الإنتاج الإعلامي وغيرها.
وتعددت أنواع التعليم ومدارسه ومراحله، ولم تخلو محافظة من وجود جامعة أو أكثر بها، وعلى مستوى الثقافة شهد عصر مبارك نشأة العديد من المؤسسات الثقافية والمتاحف القومية والمهرجانات والأنشطة الثقافية، فقد توسعت الدولة في العمل الثقافي بشكل واضح وكبير، لكن كل هذه المراحل مثلما كانت لها إيجابيات فقد كانت لها الكثير من السلبيات، ففي العصر الليبرالي لم يستطع طه حسين أن يجعل التعليم مجانيا في كل مراحله، وظلت الثقافة مرتبطة بالمدن ولم تصل إلى القرى والأقاليم الفقيرة، أما في العصر الناصري فقد ارتبطت الثقافة بالإرشاد القومي.
بحيث أصبحت مشروطة بقبول النظام الحاكم ورؤيته، وفي عصر مبارك تحولت الخطة بشكل واضح لتدجين المثقفين، ومركزة الثقافة داخل القصور والبيوت والمتاحف، بما يعني أن الثقافة التنويرية انسحبت من الشارع المصري، وتركته للفكر التقليدي والديني، ومن ثم كان من الطبيعي أن تصل التيارات الدينية إلى الحكم بمجرد تنحي مبارك عنه.
قسم صبحى موسى كتابه إلى مقدمة تأسيسية، وخمسة فصول وخاتمة، أبرز في المقدمة رؤيته عن الثقافة من منظور علم الاجتماع، وكيف أن الثقافة تعد هي الكل الجامع، أو كل ما يخص الإنسان وحياته ومعتقداته وأفكاره وتصوراته، وأن هذا الكتاب دعوة للتعامل مع الثقافة من هذا المنظور وليس من منظور رعاية الآداب والفنون الذي تقوم عليه وزارة الثقافة، وقدم في الفصل الأول رؤية للتحولات الثقافية التي شهدتها مصر من العصر الملكي حتى الوقت الراهن، وفي الفصل الثاني قدم تحليلا تاريخيا لتطور المؤسسات التابعة لوزارة.
وذلك لإظهار مدى قوتها وعمقها في المجتمع المصر، وفي الفصل الثالث قارن بين خطة كل من ثروت عكاشة في الستينات التي انطلقت بالثقافة من المدينة إلى القرى والنجوع، وبين خطة فاروق حسني التي اهتمت بالحجر على حساب البشر، وتركت الشارع نهبا للثقافة الدينية، وفي الفصل الرابع قد عرضا لما أسماه المجموعة الثقافية، وهي مجموعة الوزارات التي يقوم عملها على بناء العقل والوعي المصري، وهي وزارات الثقافة والتعليم والإعلام والأوقاف، بالإضافة إلى الجامعات ومؤسستي الأزهر والكنيسة.
وذهب موسى في كتابه إلى أن هذه الوزارات والمؤسسات يجب أن تكون في مجموعة واحدة، ويرأسها نائب لرئيس الوزراء، وأن يتم التخطيط لعملها من خلال ما أسماه بالمجلس الأعلى للثقافة، والذي يجب أن يكون تابعا لرئاسة الوزراء مباشرة، وأن تقتصر لجانه على خمس لجان هي الثقافة والتعليم الإعلام واللجنة الدينية ولجنة المبادئ والقيم.
وحمل الفصل الأخير من الكتاب عنوان “نحو خطة ثقافة جديدة”، وقد ذهب فيه إلى أنه برغم مساوئ الخطط السابقة إلا أنه كانت لدى الدولة خطة يمكن الاختلاف أو الاتفاق معها، لكن منذ ثورة يناير والدولة المصرية تعاني من عدم وجود خطة ثقافية واضحة، وأن هناك العديد م المتغيرات على الصعيد الدولي والإقليمي والمحلي تستدعي وجود خطة ثقافية جديدة، تقوم على تنمية وزيادة الوعي لدى المواطن المصري، بحيث يمكنه أن يواجه العديد من المتغيرات التي حدثت على الأصعدة الثلاث، والتي لم تكن في حسبان أي من الخطط السابقة، وقد حدد موسى أهداف هذه الخطة، واستراتيجيات عملها، والأسباب الدعية إلى وجودها.
وفي الخاتمة أوضح موسى أنه كان مهتما بالدرجة الأولى برؤية الدولة وخططها للثقافية، لكن هذا لا يعني نفيه لأهمية وجود المجتمع المدني ومؤسساته وحضورها، فضلا عن المؤسسات الخاصة، فالدعوة إلى تنسيق وتفعيل دور مؤسسات الدولة لا يعني أنها ستكون القائم بكل تفاصيل الفعل الثقافي، لكه يعني قدرتها على وضع خطة شاملة للتغيير الوعي الثقافي، فضلا ع دورها كمراقب لعمل مختلف المؤسسات بما يتوافق مع رؤيتها للخطة الجديدة، هذه الخطة التي يضعها مجموعة الخبراء والفنيين الذين تعتمد عليهم في لجان مجلس تطوير الثقافة، أو ما أسماه بالمجلس الأعلى للثقافة. ولا يعني ذلك أن الدولة ستكون الفاعل الوحيد، فقد تجاوز الزمن هذه الرؤية الشمولية، وانحصر دور الدولة ومؤسساتها في القيام بالمهام التي لا تستطيع مؤسسات المجتمع المدني أو الخاصة القيام بها، فضلا عن التخيط والتنسيق ومتابعة التنفيذ.
صبحي موسى شاعر وروائي، صدرت له خمس مجموعات شعرية هي (يرفرف بجانبها وحده، هانيبال، قصائد الغرفة المغلقة، لهذا أرحل، في وداع المحبة) وصدرت له ثماني أعمال روائية هي (صمت الكهنة، حمامة بيضاء، المؤلف، أساطير رجل الثلاثاء الموريسكي الأخير، نقطة نظام، صلاة خاصة، نادي المحبين)، وحصل على عدد من الجوائز من بينها جائزة نجيب محفوظ عن روايته “نقطة نظام”.