مصر بلاد العبقرية الخالدة والنهضة المتجددة .. بالحجر والدم والنبض والكتاب
مصر بلاد العبقرية .. لا تعرف الأمم خلودًا إلا إذا كتبت تاريخها بالعبقرية، ومصر كتبت تاريخها بالحجر والدم والكتاب والنبض، بل كتبت اسمها في لائحة الخلود الإنساني منذ أول حرف نُقش على جدران المعابد، وحتى آخر قصيدة كتبها شاب في ميدان التحرير تابع المزيد على أخبار مصر 24..
بقلم : د. عمر محفوظ
كاتب وناقد
مصر ليست وطنًا، بل تجربة إنسانية دائمة التجدد.. كلما أراد الله للأرض أن تنهض، أشار بإصبعه إلى أرض الكنانة، فكان لمصر نبضٌ جديد وميلادٌ جديد.
عبقرية التاريخ لا تندثر
في مصر وحدها لا يمكنك أن تفصل بين التاريخ والمستقبل. الأهرام ليست مجرد حجارة بل شهادة ميلاد الحضارة، وأبو الهول ليس تمثالًا صامتًا، بل سؤال الزمان الأبدي عن سر مصر. كل نيلٍ يسري في عروق هذا الوطن هو سيرة من سِيَر العبقرية التي جعلت من الطين حضارة، ومن الماء رسالة، ومن الموت بعثًا.
من إخناتون صاحب أول دعوة للتوحيد، إلى طه حسين الذي ردَّ على عمى البصر ببصيرة أمة.. ومن أحمس طارد الهكسوس إلى عبد الناصر طارد الاستعمار.. تسير مصر في موكب التاريخ لا تلتفت إلى الوراء إلا لتثبت للعالم أنها كانت هناك عندما وُلدت البداية.
النهضة في العلوم.. من المعابد إلى المعامل.
المصري القديم يكتب في جميع المجالات
كان المصري القديم يكتب في الطب والفلك قبل أن يعرف العالم الأبجدية. في بردياتهم علوم الجراحة، وتقدير المواسم، ورصد النجوم.. علموا الإنسان كيف يحني رأسه للعلم كما يحنيها للآلهة. ثم جاءت عصور النهضة الحديثة، فأنجبت مصر في كل ميدان فذًّا وهو مصطفى مشرفة في الفيزياء، وعلي مصطفى مشرفة في الرياضيات، وأحمد زويل الذي مسك بالليزر نبض الجزيئات وفتح للعرب باب نوبل بعد طول غياب.
في كل مرة توشك فيها الأمة العربية على الغرق، تضيء القاهرة مصباحها الأكاديمي، فتنتبه العواصم. في جامعاتها ومراكزها البحثية، وخلف جدران مدارسها البسيطة، تشتعل شرارة لا تنطفئ. لا أحد يعرف كم زويل في قرى الصعيد، ولا كم نجيب محفوظ في زوايا حي السيدة.

في الأدب: مصر هي الرواية الكبرى
الأدب في مصر ليس ترفًا، بل هو هوية. في مصر لا يُقرأ الشعر، بل يُعاش. ولذا فإن أحمد شوقي لم يكن مجرد شاعر، بل كان دولةً لغوية، وطه حسين لم يكن أستاذًا للغة، بل حارسًا للوعي القومي. ثم جاء نجيب محفوظ، فحوّل الشوارع المصرية إلى حكايات، وصاغ من الزقاق فلسفة، ومن الشخصيات البسيطة أبطالًا خالدين في ذاكرة الإنسان.
مصر تكتب الأدب كما يكتب القلب دقاته، بلا تصنّع. ولهذا كل أدب عربي خرج من مصر هو أدب يشبه الحياة، لا يحتاج إلى شرح، لأنك حين تقرأه ترى أمك، وجارك، والموظف الذي يحادثك كل صباح في البقالة.. إنّه الأدب الذي لا يتقمص، بل يتنفس.
مصر الآن عبورٌ جديد
اليوم تعود مصر إلى مجدها في مشهد متجدد. المدن الذكية، والجامعات العالمية، والاهتمام بالثقافة والفنون، كلها إشارات من الطريق الذي تسير عليه مصر نحو مجد علمي وأدبي واقتصادي جديد. حين تعيد مصر بناء عاصمتها، فإنها تعيد كتابة سطر من تاريخها.. لا تهدم قديمها، بل تبني على قاعدته.
في مصر لا يموت المجد، بل ينام قليلاً ليصحو بصيحة عبقرية. ومهما اشتدت المحن، تبقى مصر كما وصفها القرآن الكريم: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين). آمنة بالعلم، حصينة بالأدب، ومضيئة بالتاريخ.
ختاما: إن مصر لا تُكتب في مقال، ولا تُختصر في كتاب، بل تُقرأ في ملامح كل عربي. هي الذكرى التي لا تنسى، والعبقرية التي لا تموت، والنهضة التي لا تتوقف. مصر هي الأرض التي تمشي فوقها الفكرة، وتنهض منها الحضارة.