محمد فوزي: بين العبقرية الموسيقية والتحديات الصحية والسياسية

كتب باهر رجب

تفاصيل حياة الفنان محمد فوزي: من الميلاد إلى الوفاة

كان محمد فوزي، الفنان المصري متعدد المواهب، أحد أبرز الشخصيات الفنية في تاريخ الفن العربي. ولد في قرية متواضعة بمصر، واستطاع بموهبته وإصراره أن يترك بصمة لا تنسى في عالم الموسيقى والسينما، ليصبح رمزا ثقافيا يتردد صداه عبر الأجيال. من ألحانه التي تزينت بها الأفلام، إلى دوره كمؤسس للسينما الموسيقية المصرية، وصولا إلى تلحينه للنشيد الوطني الجزائري “قسما”، عاش فوزي حياة حافلة بالإنجازات والتحديات، انتهت مبكرا بسبب مرض نادر وصراعات سياسية ألقت بظلالها على مسيرته.

النشأة والطفولة

ولد محمد فوزي في 15 أغسطس 1918 في قرية كفر أبو جندي التابعة لمحافظة الغربية في مصر. كان الابن الحادي والعشرين في عائلة كبيرة تضم 25 أخا و أختا، من بينهم المطربتان الشهيرتان هدى سلطان وهند علام، مما يعكس البيئة الفنية التي نشأ فيها. في سن مبكرة، أبدى فوزي شغفا بالموسيقى، حيث تعلم أساسياتها من محمد الخربتلي، صديق والده. تلقى تعليمه الابتدائي في مدينة طنطا، ثم انتقل إلى القاهرة للالتحاق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى، لكنه لم يكمل دراسته هناك، مفضلا الانطلاق نحو عالم الفن بعد عامين فقط.

بداية المشوار الفني

انطلق فوزي في مسيرته الفنية من خلال العمل مع فرق مسرحية شهيرة في ذلك الوقت، مثل فرقة بديعة مصابني وفرقة فاطمة رشدي، حيث صقل موهبته في الغناء والتمثيل. في عام 1944، خطا خطوته الأولى في السينما بفيلم “سيف الجلاد”، من إخراج الفنان الكبير يوسف وهبي. كان ذلك بداية رحلة طويلة جعلته أحد رواد السينما الموسيقية المصرية خلال الأربعينيات و الخمسينيات. شارك فوزي في أكثر من 36 فيلما، منها “قبلة في لبنان” و”العقل في إجازة”، حيث برز كممثل ومغنٍ وملحن في آن واحد.

 

كملحن، أبدع فوزي أكثر من 400 أغنية، تركت أثرا عميقا في وجدان الجمهور العربي. من أشهر أعماله “علي شغال بالي”، “مالو القمر مالو”، و”ذهب الليل”، التي جمعت بين الطابع الشعبي والإحساس الفني الراقي. لم تقتصر إبداعاته على مصر فقط، بل امتدت لتشمل الوطن العربي، حيث لحن في عام 1956 النشيد الوطني الجزائري “قسما”، الذي أصبح رمزا للنضال والاستقلال.

الحياة الشخصية

على الصعيد الشخصي، عاش محمد فوزي حياة عاطفية حافلة. تزوج ثلاث مرات، كانت الأولى من هداية عبد المحسن يوسف بين عامي 1943 و1952، و أنجب منها ثلاثة أبناء: نبيل، سمير، ومنير. في عام 1952، ارتبط بالممثلة مديحة يسري، واستمر زواجهما حتى 1959، ورزقا بابن واحد هو عمرو. أما زواجه الثالث فكان من كريمة عبد الرحيم العوستي في 1960، واستمر حتى وفاته، و أنجبا ابنة واحدة اسمها إيمان. كانت حياته العائلية مليئة بالتحديات، لكنها عكست جانبا إنسانيا من شخصيته بعيدا عن الأضواء.

المرض والنهاية

في أواخر حياته، واجه فوزي تحديا صحيا كبيرا تمثل في إصابته بمرض نادر يعرف بـ”تليف الغشاء البريتوني الخلفي”، أو ما أطلق عليه لاحقا “مرض فوزي”. كان هذا المرض استثنائيا لدرجة أنه لم يصب به سوى خمسة أشخاص في العالم آنذاك. سعى فوزي للعلاج في لندن وألمانيا، لكن جهوده لم تثمر، وتدهورت حالته تدريجيا. في 20 أكتوبر 1966، رحل عن عالمنا في القاهرة عن عمر 48 عاما فقط، تاركا خلفه إرثا فنيا ضخما وحسرة في قلوب محبيه.

التأثير السياسي

لم تكن حياة فوزي خالية من التعقيدات السياسية. فقد وردت تقارير عن تعرضه لضغوط من نظام الرئيس جمال عبد الناصر، خاصة بعد تأميم شركته “مصر فون”،. التي أسسها لإنتاج الأغاني والأفلام. يعتقد أن علاقته الوثيقة باللواء محمد نجيب، الذي كان منافسا لعبد الناصر، قد ساهمت في هذا الاضطهاد. أثرت هذه الضغوط، إلى جانب مرضه، على صحته النفسية والجسدية، مما جعل السنوات الأخيرة من حياته مليئة بالمعاناة.

الإرث و الخاتمة

علاوة على ذلك كانت حياة محمد فوزي مزيجا من الإبداع والصمود. رغم التحديات الصحية والسياسية،. استطاع أن يترك بصمة فنية خالدة، سواء من خلال أفلامه التي لا تزال تعرض حتى اليوم،. أو أغانيه التي يتغنى بها الأجيال. إن تلحينه لـ”قسما” ليس مجرد عمل موسيقي، بل رمز للوحدة العربية والنضال. رحل فوزي مبكرا، لكنه ترك خلفه إرثا يشهد على عبقريته وتفانيه في خدمة الفن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.