ماذا تعرف عن ميلان كونديرا الذي تُوفي عن 94 عام؟؟
ماذا تعرف عن ميلان كونديرا الذي تُوفي عن 94 عام؟؟
كتب: مصطفى نصار
ما هو الأدب الوظيفي؟؟
من المعروف أن الأديب هو ابن عصره، و لكن ما الذي يحدث حينما يريد الأديب مضاهاة حضارته، يجيب معظم النقاد الخاصيين بالحضارة و منهم شبنغلر بأن الحضارة حينما تنهار، فالحل الوحيد هو أن تسير عكس التيار، لإن ذلك هو الضمان الوحيد لبقائك حيًا و مدركًا لما يدور من حولك، فليس من قبيل المصادفة أن تجد رجًلا من التشييك يسعى لإيقاظ الناس، و خدمة مشروعه الفكري، بتوجيه أسباب الانهيار الحقيقية للبيئة التي نشأ بها، و تزوج منها حبيبته فيرا، و توحي الجملة السابقة بأن المثقف العضوي يُحدث ضجيجًا، و عندما يكثر هذا الضجيج، يتوحش من وعد البشر بالرفاهية من حكومات و بشر من أجل الفتات الذي يقضي فيه أولئيك البشر ثُلث حياتهم، فنحن لسنا بصدد الحديث عن شخص مثلي و مثلك، بل هو من أشهر الأدباء في القرن المنصرم، و الحالي، فعندما يقوم الأدب بوظيفته الحقيقية، تلك الوظيفة العضوية التي تفيق الإنسان من سباته العميق، هذا السبات الذي يجعل الإنسان نفسه في محل نزاع مع نفسه في حياته القصيرة، و لكني أريد من قصته أن تتعلم معنى التحايل الحقيقي، ولا أعني التحايل هنا بالنصب و الاحتيال، كلا بل هنا هو التجسيد الحي لكلمة المراوغة و الممانعة، تلك التي تضيف لحياتك قيمة حقيقية، ومعنى قويًا لها، فتلك القيم هي التي تحرك الإنسان، إذ أن الإنسان التُرس هو ذلك الإنسان النمطي، بينما الإنسان الصانع و الصياغ هو الذي يفهم و يبحث ويعي لا كمثل المجتمع الذي نعيش فيه، فمجتمع التحايل الرقمي و لقمة العيش يقف الفكر أمامه عاجزًا، لا لشيء، فقط لإنه مجتمع مفكك منفصل عن بعضه بشكل مدهش، حتى إن ظهر متماسكًا و بشكل مخالف لذلك، فتخبو ناره حين يتوقف الفاعلين فيه عن مواجهة جميع إجراءات الحيونة، أو تحويله لمواطن صالح بالمعنى الحديث أي لا ينكر منكرًا، ويؤذيه فقط أن يتنزع من وهنه، فكونديرا وقف ضد كل هذا، على الرغم من عدميته، لإنه فقط يريد الصحوة.
في التجذر العضوي..
بصفتها سمة بشرية، تعرف قيمة التجذر بأنها الشعور الذي يتمني للبشر في مكان و زمن محدد، و العضوية هنا هي التفاعل و التكامل بين وظيفة، و هدف، و أما الوظيفة فهي ليست مترادفة للمهنة، و الوظيفة نقصد بها هنا كل شيء له مدلوله المادي كان أم المعنوي، و من هنا يقول روسو أن العضوية هي من القيم التي يجب أن تكون مترسخة بجدارة في حياتنا اليومية، و تظهر تلك العضوية متناغمة جالية في الردح الممتد من القرن السابع عشر لمنتصف القرن التاسع عشر، فمنذ القرن التاسع عشر، بات الفكر الغربي على شفير الهاوية، و الهاوية تلك التي عبر عنها هويزنخيا بالاغتراب و الميل نحو اللاعقلانية، فهل يمكننا أن نسأل عن مواجهة اللاعقل بسمة أخرى لا تقل في عنفوانها؟؟، الحقيقة أنه لا يوجد رد فعل قوى على اللاعقل سوى نفسه، فخلال حكم نابليون بونابرت فرنسا، كان الفرنسيون مقتنعين تمامًا بحكم بونابرت في أول عاميين، و أراد بونابرت أن يستمر في الحكم، فخدع الفرنسيين ببعض القصائد التي تمجد صنم فرنسا، و يفخم فيها، و هنا مربط الفرس، فكونديرا علم جيدًا أن خدمة عضويته ينبع من اللاعقل في هذا الزمن، أو كما كتب ديفيد تايلور عن أورويل “كان نموذجًا رائعًا للرفعة في الأدب”.
في التشييك…. عن “كونديرا التاريخ”
يعد ميلان كونديرا من ألمع الأسماء الأدبية بحق كما ذكرنا باختصار سلفًا، و لكن لنفصل قليلًا في سيرته، فهو مؤلف و محاضر في الأدب، له رصيد يملك فيه 13 عمل، و تنقسم ل12 رواية و مسرحية، فميلان كونديرا الذي ولد عام 1929 لأب يعمل مدرسًا للموسيقي، و أم هي ربة منزل، مات والده و هو صغير ذو 12 عام، ووجد أن البلد تحت الاحتلال الشيوعي، و طلب منه الانضمام لحركة” ربيع براغ”، و تلك الحركة كانت بمثل ظهير شعبي لدعم الحكومة الشيوعية، فتلك الحركة طلبت منه الانضمام حينما عمل اكاديميًا ليكون داعمًا لها، فرفض و أصدر أول رواية له، ألا و هي “المزحة” عام 1967م، و هي رواية ساخرة تنتقد تجمل الحكومة بحركة براغ، و هي طرفة لا تصدر إلا من شخص يحتاج لإعادة النظر في عقله بحسب كونديرا، و من الطبيعي أن تجد العواقب وخيمة من الحكومة، فقد نفي لفرنسا عام 1971، و حصل على جنسيتها عام 1976، و عقب تحرر التشييك على يد فايل، و لفايل قصة رائعة ينبغي أن تروى لاحقًا، و كتب الخلود، الرواية التي تفند أوروبا من ناحية الفكر و الأخلاق، فوضعت الحضارة في نعشها، و كتب “كائن لا تٌحتمل خفته ” عام 1981، و تحولت لنص سينيمائي مكتوب 1987، و حققت أعلى مبيعات في التشييك بلده الأم عام2006، و أُعيدت له الجنسية عام 2009، و ظل يحاضر في الجامعات الأوربية حتى وفاته و كف عن الكتابة منذ التسعينات لإنه أكمل مشروعه الفكري، فقد القى نيره الذي أثقل كاهله.