قطاع الصحة في مصر: ضرورة وطنية ومسؤولية مشتركة
بقلم/ إيمان سامي عباس
يواجه قطاع الصحة في مصر مرحلة دقيقة تتطلب تدخلاً عاجلاً وحلولاً جذرية، فرغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة لتحسين المنظومة الصحية، لا يزال المواطن المصري يعاني من ضعف الخدمات ونقص الإمكانات. هذا الواقع يفرض إعادة نظر شاملة تُشرك جميع الجهات المعنية، بهدف رفع مستوى الرعاية الصحية وتخفيف المعاناة عن الفئات الأكثر احتياجاً.
يشهد القطاع الصحي ضغطاً متزايداً يفوق قدراته الحالية، فالمستشفيات الحكومية والجامعية أصبحت غير قادرة على استيعاب الأعداد الضخمة من المرضى، وهو ما يظهر بوضوح في نقص أسرة الرعاية المركزة والحضّانات، الأمر الذي يعرّض حياة الكثيرين للخطر.

عجز في الطواقم الطبية وخاصة الأطباء، إلى جانب الإرهاق الكبير الذي يتعرضون له بسبب الضغط المستمر.
ضعف التجهيزات الطبية والأدوات اللازمة، مما ينعكس على جودة الخدمات المقدمة.
ارتفاع تكلفة الفحوصات الطبية مثل الأشعة والتحاليل، والتي يتم تحميلها للمواطن، رغم أنه غير قادر على تحملها وخاصة محدودي الدخل.
هذه التحديات تجعل من الضروري إعادة تقييم سياسات القطاع الصحي وإجراء تعديلات عملية تعيد له التوازن والكفاءة.
أزمة الأطقم الطبية وهجرة العقول
لا يمكن الحديث عن تطوير المنظومة الصحية دون التوقف أمام النقص الكبير في عدد الأطباء وهيئة التمريض. فقد أصبحت الأعداد المتاحة غير كافية لخدمة ملايين المرضى، وذلك نتيجة أسباب متعددة، أبرزها:
هجرة آلاف الأطباء سنوياً إلى الخارج بسبب ضعف الرواتب وعدم توفر بيئة عمل جاذبة.
الضغط المفرط على العاملين في القطاع الصحي دون مقابل مادي أو معنوي يتناسب مع حجم المسؤوليات.
الحاجة الملحة لزيادة أعداد خريجي كليات الطب ومعاهد التمريض لسد هذا العجز المتفاقم.
هذه الأزمة تتطلب خطة وطنية لإعادة تأهيل الكوادر، وتحسين مرتباتهم، وتوفير بيئة عمل آمنة ومحفّزة، حتى لا تخسر مصر عناصرها المتميزة.
ضرورة رفع الميزانية وتحسين البنية التحتية الصحية.
من غير المنطقي الاعتماد على بنية تحتية ضعيفة أو منشآت متهالكة لتقديم خدمة صحية محترمة. لذلك فإن زيادة ميزانية قطاع الصحة باتت أمراً ضرورياً وليس رفاهية، من أجل:
تطوير المستشفيات الحكومية وتجهيزها بأحدث الأجهزة.
زيادة عدد أسرة الرعاية المركزة والحضانات بما يلبي احتياجات المرضى.
ضمان حصول المواطن على علاج مجاني أو منخفض التكلفة دون أن يُضطر للاستدانة أو اللجوء للمستشفيات الخاصة.
وفي الوقت ذاته، أصبحت المستشفيات الخاصة والاستثمارية تمثل عبئاً كبيراً على المواطنين بسبب مبالغتها في الأسعار بشكل يفوق قدرة الأسر المتوسطة والفقيرة، حيث يصل اليوم الواحد للعلاج إلى آلاف الجنيهات، ما يجعلها خياراً غير متاح للغالبية العظمى من الشعب.
مسؤولية مجتمعية مشتركة ودور غائب لرجال الأعمال.
يبقى السؤال مطروحاً: أين دور رجال الأعمال والفنانين والرياضيين وأصحاب الثروات؟
فالمجتمع بحاجة إلى من يتحمل المسؤولية، ويشارك في دعم القطاع الصحي عبر:
التبرع للمستشفيات الحكومية.
إنشاء مراكز طبية مجانية أو منخفضة التكلفة.
رعاية المشاريع الصحية الكبرى مثل بناء وحدات رعاية مركزة أو حضانات.
فأعظم تجارة هي تلك التي تُثمر خيراً للناس وتعود بالرحمة على الفقراء ومحدودي الدخل.
إصلاح قطاع الصحة في مصر ليس خياراً بل واجب وطني وإنساني. يحتاج الأمر إلى رؤية واضحة، وتمويل كافٍ، وتعاون بين الدولة ورجال الأعمال والمجتمع المدني، حتى تصبح الرعاية الصحية حقاً مكفولاً للجميع، وحتى ينعم كل مواطن بخدمة طبية تحفظ كرامته وتخفف آلامه.

كاتبه المقال /
إيمان سامي عباس