عقد الزواج بين ماهو اخلاقي غرائزي وبين ماهو سلطوي قانوني
نظرة فلسفية لأبعاد الزواج ،وفوضى الغريزة
عقد الزواج بين ماهو اخلاقي غرائزي وبين ماهو سلطوي قانوني
بقلم : سلوى ادريسي والي
لم أستطع يوما استصاغة مفهوم عقد الزواج ،تلك الورقة التي تشبه جميع الأوراق التي نعرف ،وتحتوي على جمل مثل كل الجمل التي نتداولها ،ليس بها أي سحر أو شيء خارق …
هذا العقد لا يغير باي شكل من الأشكال أخلاق صاحبه ،أو طقوسه اليومية،تعليمه أو أميته،سلوكاته مع النساء ،لا شيء يضيفه هذا العقد للزوجين سوى بعض المكاسب المادية ،والتي يتملص من أدائها معظم الأزواج ..ويضربون عرض الحائط تلك الورقة التي لا تسمن ولا تغني من جوع..
هذا الموضوع يشبه تماما ،لجام الحصان ، يعتقد هذا الحيوان العريق ،أن لجامه جزء من كونه حصانا ، إذا غاب اللجام غابت ماهيته..
لنفترص أن هذا القيد ، لم يخترعه الإنسان من الأساس ؟!
هل سيغير هذا الحيوان سلوكاته الغريزية والإجتماعية ،بمعنى هل سيرفض أن يقوده فارس أو فلاح داخل الحقل ،أو ربما متسابق داخل المضمار …
الجواب بكل بساطة ،لن يكون هناك اي فرق سوى فارق الوقت ، أي أن الحصان بدون لجام ،سيستغرق وقتا أطول للسيطرة عليه ،أما صاحب اللجام فسيدعن للأوامر بسهولة أكبر،لأنه يشعر بتلك السلطة تداعب خديه، وتملأ فاه ..
هذا هو بالضبط في نظري ما يحصل مع الإنسان في مسألة العقود، هناك سلطة وهمية تمنعه من خرقها ، وفي نفس الوقت هو يستطيع أن يكون دون وجودها ،الإنسان لا يستطيع التخلي عن الرقيب المخفي تحت آلاف المصطلحات ، ربما هو الوحيد من بين الكائنات الحية الذي يخاف من الإنفراد بنفسه ..
إننا الجزء الأضعف من دورة الحياة ،فالحيوانات تتزاوج غريزيا ،تتحمل مسؤلية أطفالها غريزيا حسب نوع الحيوان ،مرة يتحمل الأب رعاية الصغار ،ومرة تتحمل الأم تلك المسؤولية ،وقد يتشاركان في تحملها معا ،دون إملاء من سلطة خارج المنظومة ..
الإنسان القديم
كيف كان الإنسان القديم يدير هذا الجانب من الحياة !!
كيف تمكن من تقنين هذا التزاوج الغريزي،بحيث يحلله للبعض ويحرمه على البعض الآخر ،بشيء بسيط جدا (ورقة)! مجرد ورقة ! تشتعل بها هرمونات الذكورة وتنطفئ،كأنها زر تضغط عليه فتتغير البيولوجيا بأكملها..
كيف تحولت طقوس التزاوج الى مراسيم زواج عند الإنسان؟!
كيف استطاع الجمع بين رقصة العصفورة ،وذيل الطاووس وقفزة القردة،في حفل بهيج يسمى” عرس “
مراسيم لها هيبتها وقدسيتها ،لدى جميع الشعوب ..
ومع كل هذا لم يستطع تجاوز حيوانيته الأصيلة ، عندما يخون الشريك أو يعدده، أو يتملص من تلبية حاجيات أطفاله..
مايحيرني حقا هو ذلك الرجوع اللافت لغرائزه الفطرية دون الإلتفات لتلك القوانين التي فرضتها السلطة عليه ، فنجد اطفال بدون أب ، اغتصاب ،شذوذ،تعدد، خيانة..
هنا نلاحظ أن العقود ليست قادرة على ضبط الغرائز ،ولا بأي شكل من الأشكال ،بل يمكنني القول أن أولائك الذين تردعهم القوانين ليسوا سوى أشخاص ،يعيشون وهم اللجام ..
والسؤال الذي يطرح هنا ؟ ماذا لو استيقظوا من هذا الوهم لسبب ما ..
هل ستتغير سلوكياتهم ؟ أم أنها ستبقى تابثة بفضل وازعهم الأخلاقي ؟!
وهل الأخلاق تابثة من الأساس ؟!
ما الذي يجعل الإنسان ينحاز إلى السلطة العليا ،لتنظم له حياته..
ماذا لو كانت تلك السلطة لا تعترف بوضع اللجام ، وتترك الإنسان يتحمل مسؤولية قراراته وما يترتب عنها ..
لنفترض مثلا ” دولة ما تطلب من المواطنين التعبير من غرائزهم الجنسية بدون أي تحرج ، مثل أي غابة في هذا الكوكب الجميل،
أظن الأمر لن يكون بتلك العشوائية التي نظن ، فمثلنا مثل الحيوانات ليس من السهل ايجاد الشريك الجنسي ، قد يكون الأمر أقل صعوبة بعض الشيء بسبب عدد السكان ،ووجود الكثير من الإيناث الصالحة للتزاوج..
لكن سيظل هناك عائق في طريق هذه التجربة ،وهو تعود الإنسان على الرقيب ،إذ سيشكل اختفاؤه فجأة ،حالة من الفوضى قد تستمر لسنين طويلة الى أن يتأقلم مع الوضع الجديد وتهدأ غرائزه المكبوتة ..
نعم ! في هذا الوضع ستعاني البشرية من بعض الطفرات الجديدة ، التي قد تغير ملامح النوع ، وربما قد يستقر الحال على رغبة الإنسان في الإحتفاض بشريك جنسي واحد مدى الحياة ، فعند اختفاء مقولة كل ممنوع مرغوب ” ستحل مكانها مقولة اخرى قد تكون:” كل متاح يقنن من تلقاء نفسه”
فكما نعلم ،القانون يأتي في المرتبة الأخيرة لتفشي ظاهرة معينة واستحوادها على المشهد العام إن كان سلبا أو ايجابا ..
دعوني اطمئنكم..
الزواج سيصبح مثل أي شركة يقوم على اساسات ثابتة ، بعيدة عن قانون الغاب..
لأن الإنسان اليوم لا يبحث عن البقاء الفطري بل تجاوزه نحو بقاء بجودة عالية ، يمكن أن نلخصها في كلمة ” بريستيج ”
الإنسان اليوم ليس مستعدا ابدا للتخلي عن هذا البريستيج الذي يضمن له البقاء كنوع أسمى أو أعلى ،وهذا الشيء لم يستطع أي كائن حي بلوغه ..
هنا تحضرني كلمات” نيتشه” في كتابه “العلم المرح”، قال:
“الزواج يمكن أن يكون عقبة أمام تحقيق الذات. إنه يحد من وقت الفرد وطاقته، مما قد يجعل من الصعب عليه تحقيق أهدافه الخاصة
هنا أعود أيضا لنفس التشبيه ،هل عملية إخصاء الحصان ،هي نفسها عدم الرغبة في الزواج بالنسبة للإنسان ،الزواح بمعناه الإجتماعي وليس الجنسي..
فالحصان المخصي تكون قدراته عالية جدا ، ويستطيع العمل بكفاءة أكبر ..
ماهذا التشابه العجيب يا نيتشه ” بين كلماتك والسلوك الغريزي لدى الحيوان مع انك تتحدث عن الإنسان..!
سمعت في إحدى القنوات عن عائلة سعودية كان تخصى أبا عن جد لم يظل منهم الآن سوى فرد واحد ،يخدمون الحرم المكي عبر قرون ، متفرغون لهذا العمل دون غيره ..
وكان يطلق عليهم لقب “الأغوات”
يعود تاريخ الأغوات إلى عهد الصحابي معاوية بن أبي سفيان فهو أول من وضع خدامًا للكعبة من العبيد، وأول من اتخذ الخصيان لخدمة الكعبة هو يزيد بن معاوية ويرى رفعت باشا أن أول من رتب الأغوات في المسجد الحرام هو أبو جعفر المنصور.
أما أغوات الحرم النبوي الشريف فيعود تاريخهم إلى زمن الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب فهو أول من عيّن خصيانا لخدمة المسجد النبوي الشريف.
بداية الأغوات
كانت مهمة الأغوات في البداية هي حراسة الحرمين الشريفين، ومنع أي شخص من دخولهما دون إذن. ومع مرور الوقت، أصبحت مهام الأغوات أكثر تنوعًا، حيث أصبحوا مسؤولين أيضًا عن تنظيف الحرمين الشريفين، وتنظيم حركة المرور، وتقديم المساعدة للزوار
كان الأغوات مخصيين، وذلك لأنه يُعتقد أن المخصي يكون أقل عرضة للغرائز الجنسية، وبالتالي يكون أكثر تركيزًا على عمله.
وقد تم خصي الأغوات في سن مبكرة، إما عن طريق عملية جراحية أو عن طريق إزالة الخصيتين أثناء الطفولة
كان الأغوات يتمتعون بمكانة خاصة في المجتمع الإسلامي، حيث كانوا يعتبرون من الرجال الأتقياء والخدومين.
وقد كان لهم دور مهم في خدمة الحرمين الشريفين، حيث ساهموا في الحفاظ على سلامتهما وضمان راحة الزوار
في عام 1925، تم إلغاء نظام الأغوات في المملكة العربية السعودية.