بقلم/ ايمان سامي عباس
في السادس من أكتوبر عام 1973م، الموافق العاشر من رمضان 1393هـ، صنع المصريون ملحمةً عسكريةً وتاريخيةً خالدة، استعادوا بها الأرض والكرامة، وأثبتوا أن الإيمان الصادق والعزيمة الراسخة تصنع المعجزات. لم يكن النصر حدثًا عابرًا في مسار التاريخ، بل كان شهادةً على أن الشعوب التي تتوكل على الله، وتعدّ العدّة المادية والمعنوية، لا تُهزم مهما بلغت قوة العدو. لقد تجلت في تلك الأيام معاني قوله تعالى: «وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم»، فامتزجت القوة بالإيمان، والعقل بالتخطيط، لتتحقق معجزة العبور.
الإعداد للحرب
ولم يكن الإعداد مقصورًا على الجبهة العسكرية وحدها، بل شمل الداخل المصري بأسره. فقد وحّد الشعب جهوده، وتكاتفت مؤسساته، واستُنهضت روح التضحية لدى كل مواطن. كان المقاتل في الميدان، والعامل في المصنع، والطالب في مدرسته، جميعهم في جبهة واحدة. وأدرك المصريون أن الطاقات حين تُجمع، والصفوف حين تتراص، يصبح المستحيل ممكنًا، وتتحول الأحلام إلى واقع. ولعل من أبرز أسرار النجاح حينها كان عنصر التخطيط والذكاء العسكري، حيث استطاع القادة أن يوظفوا الخداع والتمويه ليُربكوا العدو ويُحبطوا غروره.
أما العامل الحاسم والأكثر تأثيرًا فقد كان الاصطفاف الوطني؛ فقد تنازل الجميع عن الخلافات والمصالح الضيقة، وارتفع شعار: «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». هذا التماسك الاجتماعي والسياسي كان السلاح الأهم، لأنه أعطى القوات المسلحة ظهرًا شعبيًا صلبًا لا يمكن كسره، ورسّخ أن النصر لا يصنعه الجيش وحده بل الأمة بأكملها.
تحديات اليوم تساوي الحرب
واليوم، ونحن نواجه تحديات لا تقل خطورة عن معارك الأمس، نحن في أمسّ الحاجة إلى استعادة تلك الروح. فالمؤامرات التي تحاك ضد المنطقة، ومحاولات إعادة إنتاج الاستعمار بأشكال جديدة تحت شعارات براقة، تفرض علينا أن نتمسك بقيم أكتوبر: الإيمان، الوحدة، والعمل المشترك. فكما واجه المصريون الأمس عدواً متغطرسًا وانتصروا، يمكننا اليوم مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بنفس الروح، لنحقق «الحياة الكريمة» في «الجمهورية الجديدة».
إن انتصارات أكتوبر لم تكن مجرد حدث عسكري، بل كانت مدرسة مفتوحة تُعلّمنا أن سر القوة في الإيمان بالله أولًا، ثم في وحدة الصف والإرادة. وإذا استحضرنا هذه الدروس في حاضرنا، فلن تعطلنا المؤامرات ولا العراقيل، وسنمضي نحو مستقبل يليق بمصرنا العزيزة، لتبقى كما أرادها الله: بلد الأمن والأمان، وكنز الأرض وخزائنها.
كاتبه المقال
ايمان سامي عباس