رفع الدعم عن الرغيف والسلع الأساسية .. مجتمع السخرة و العبودية المختارة

رفع الدعم عن الرغيف والسلع الأساسية

رفع الدعم عن الرغيف والسلع الأساسية .. مجتمع السخرة و العبودية المختارة

من الهدوء إلي انتظار العاصفة :قصة الدولة مع الدعم

في فيلم واحد من الناس، يظهر سليمان عيد المواطن أمين الشرطة الذي يواجه ظروفًا باتت من المعتاد رؤيتها بشكل تعادوت عليه الأعين و حفظته الآذان و نمطته العقول حتى باتت محفوظًا أكثر من اللازم و من أشياء يجب اللجوء لها و حفظها .

بقلم / مصطفى نصار

فليس غريباً أن ترى ذلك الأمين شعثًا مغتربًا مديونًا بمبلغ و قدره آنذاك بل و قل أن هذا النموذج هو مربط الفرس في حكاية العيان بالميت أو القصة المأساوية للإنسان “المستقر”أو أحد العناصر كما أسماها المتحدث العسكري ،ليتنهى المواطن بنفس نهاية الأمين في الواقع مسجونّا و منتحرًا أو ميتًا في حياته لو طال الرصاص صدره لما تحرك .

نرشح لك:جولة شاملة ومتجدده تضم أهم أخبار محافظات جنوب الصعيد 

و للقصة دلالات كثيرة هامة للغاية تتعلق أن المواطن لا” دية” له في حين أن الصهاينة لهم “دية “و اعتذار ، في تطبيق واضح و صارخ لمقولة جمال حمدان في أن مصر داخليًا تتعامل بالحلول الأمنية و العسكرية أما خارجيًا والدبلوماسية و المفاوضات الناعمة اللزجة .

بدأت القصة مع جمال عبد الناصر الذي للانصاف هو بانئ و مؤسس منظومة متكاملة لدعم المواطن بالغذاء و الدواء لعلمه أن تأثر الغذاء يعني الموت البطيء للدولة في لحظة عاصفة إذ ما جاءت لن ترحم أحدًا و لن تجدي شعارات فارغة جوفاء أو هفوات عبثية من فم أبق أحدق من قرصات جوع لطفل لا يستطيع أبوه إطعامه أو أمه علاجه ،فأنشا و توسع


في مصانع الصلب و الأسمندة و فعل التعيينات الحكومية فخلق مناخ مستقر و ثابت اجتماعيًا .

ثم جاء السادات ذا السياسات الرأسمالية الذي مجدت الافتتاح دون مواربة أو دراسة لاتخاذ أكثر القرارات المجنونة و المندفعة في دولة كانت ما زالت حية و الناس لم تكن بعد خائفة و مغطرسة بالمحرمات كما الآن فانتفضت كنوع من الاعتراض السلمي التي كادت أن تعزل السادات و تطيح بالنظام في أقل من أسبوع عام ١٩٧٦طبقًا لروبرت سبيرنبوج في كتابه مصر .

للمزيد:“أنت مش لوحدك” مبادرة وإحتفالية لإسعاد أطفال مرضى أورام المنيا

فاغتيل السادات من خالد الاسلامبولي شقيق إسلام الاسلامبولي عام ١٩٨١ بعد غضب عام في الجيش من سياسات التطبيع و القهر ، فجاء مبارك باعتباره نائب السادات و الذي توسع في الاستدانة إلي أن وصل بالبلاد لحالة مزرية قمعية و وصلت نسبة الفقر لأرقام قياسية و أوشكت البلاد على إعلان إفلاسها رسميًا قبل أن تعطيه أوربا قبلة الحياة نظرًا لرفض مشاركته في حرب الخليج الأولى عام ١٩٩٠م و ظل يرفع الدعم و يعوم الجنيه تدريجيا ، فأصبح يساوي من ١٢٠قرش مقابل الدولار لخمسة جنيهات مقابل الدولار .

و لم يتجرأ مبارك لمس رغيف الخبز لتأكده و جزمه أنه إذ ما مُس فسيحدث ما لا يحمد عقباه من إعادة هيكلة النظام أو تلاشيه بالكلية ، ففضل أسلوب الرفع الهادي على المدى الطويل و البعيد ليس خوفاً من ردة فعل الشعب بل للحفاظ على صورة مستقرة ثابتة تبقى للإنسان رمقه .

و اعترض الجيش على مشروع التوريث لجمال مبارك لإنه كان مدنيًا فاستغل الظروف الخاصة و المحيطة لإعادة العودة لميادين السياسة إما للحفاظ على أمن الكيان الإسرائيلي و عودة الشعب للحياة القهرية مرة اخرى ، و شكر آرئيل شارون مبارك. شخصيًا على “حفاظه على أمن و استقرار المنطقة”بحسب الباحث الفلسطيني محمود محمد عجور في مجلة السياسة الدولية ، و لم تمس منظومة الدعم و التكافل الاجتماعي
الذي يضمن الاستقرار و عدم استمرارية استنفار الدولة من أي ردة فعل من الجياع .

 

و تولى الاستاذ الدكتور باسم عودة وزير الغلابة،كما يحب أن يطلق عل المصريون ، و يؤكد حفاظه على المنظومة التموينية الداعمة للفقراء و محدودي الدخل بل أنه أعلن إضافة منتجين آخرين و هما الفول و المكرونة ليقود إعلام “البغال “حملة شعواء آنذاك يتهمه فيها بإرشاء الشعب المصري بتلك السلع .

و تعمدت الحكومة المصرية في الأيام الماضية نشر بيانات و أخبار مكذوبة لرفع الدعم عن ٥خدمات أساسية و منها الرغيف الذي ظل لمدة ٣٦سنة محفوظًا و مصونًا من سياسات الإذلال الاقتصادي الرعناء الذي عصفت بالبلاد و جعلت عاليها سافلها ، مما يؤدي لتبعات قد تشوه من وجه البلد و شكله الاجتماعي و السياسي و يمكن لنوع سياسات جديدة تسمى النيولبيرالية الشرسة التي عانت منها دول أمريكا اللاتينية منذ أكثر من ٥٠عام .

تبعات التكالب على الفقراء :جناية لن تسقط إلا بسقوط الدولة .

يربط الصحفيان الاستقصائيان جيمس سانت كلير و الكسندر كوكبيرن في كتابهما المعنون ب”حفنة من اللصوص: النيولبيرالية و سخطها” المذهب النيولبيرالي بمبدأ السرقة الممنهجة و الإفقار القوى حتى لا يترك الفقير على قيد الحياة نظرًا لإنه إذ ما فاق و استقيظ لم يبقى على أحد مما سرقه .

و الحقيقة أن ما أغفله الصحفيان المخصرمان هو مدى التكالب و مدى التحمل و النزوع للتمسك بالحياة أو تركها أو اختيار الحرية على حساب العبودية و الذل في إشارة صريحة لثنائية هي الأفدح و الأكثر فجرًا في تاريخ مصر المعاصر إما أنت أو الدولة بأكملها .

للاطلاع على مواقعنا الاخرى:لاول مره منذ 7 سنوات كوريا الجنوبية تنفذ عملا عسكريا على حدود كوريا الشمالية

و إغفال الحكومة المصرية للحوار المجتمعى و إقراره دون رجوع لصاحب الشأن و هو المواطن الحمول الصبور المستخف به و المطلوب منه تحمل تبعات فشل و ديون و فقر خيال و جهل و تطبيق سياسات إفقارية عن عمد من شأنها فقط إحجام المواطن عن التفكير في الحاضر فضلًا عن المستقبل الذي غطى البؤس التفكير فيه.

هدم الإنسان أم بناءه :خيار سهل الإمكانيات مستعصي على التنفيذ

و هو عين ما حذر منه الخبير الاقتصادي و أستاذ العلوم السياسية مارك بليث في كتابه التقشف حينما قال أن توسع أي حكومة في سياسات التقشف قد يخلق و يسهم في خلق نظام حرماني إحجامي يتساوى فيه الموت بالحياة بالبؤس بالتفاؤل مما يؤدي لزيادة حالة العداء الكامن و الحقد الدفين في نفس الإنسان المطالب بتجويع أولاده أو قل الموت لعدم حصوله على سعر الدواء ممن أجل بناء مشاريع وهمية لا تجني عائد إلا مزيدًا من الإخفاق و الفشل بعد اقتراض و بيع أكثر من ١٧٠ألف م مربع من أرض مصر .

عموماً ، تتطلب السياسة النقدية و المالية المصرية إصلاحّا فوريًا منعًا لوقوع ظواهر اجتماعية غريبة مثلما حدث في عهد سعيد و اسماعيل باشا من سرقة و زيادة قطاع الطرق و تكالب الفقراء على الأغنياء أو ثورة جياع تأكل الأخضر و اليابس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.