د. أحمد زويل… شهادة علم لا شهادة جنسية
د. أحمد زويل… شهادة علم لا شهادة جنسية
بقلم : د. عمر محفوظ
د. أحمد زويل … في زمن ضاعت فيه البوصلة، وباتت الجعجعة أعلى من صوت الطاحونة، خرج علينا رجل من صمت المختبر، لا يحمل طبلة ولا يرقص في مواسم الزيف، اسمه أحمد زويل، ذلك الذي صعد من تراب دمنهور إلى نور نوبل، ولم ينسَ الطريق… ولا الوطن.
كان زويل يرى أن التعليم هو معركة الأمة، لا معركة الشهادة الورقية ولا السباق على كليات القمة، بل معركة التنوير الحقيقي… كان يصرخ في وادٍ تحكمه ثقافة الحفظ لا الفهم، ثقافة الوجاهة لا الفكرة، ويقول: “التعليم في مصر ميت إكلينيكياً، والبحث العلمي هو جنازته الفعلية.”
ولأن زويل كان يرى أن كل تأخر سياسي يبدأ من التأخر العلمي، فإنه لم يفصل قط بين الديمقراطية والمعرفة. قالها بوضوح: “لا توجد ديمقراطية حقيقية بلا حرية بحث، ولا توجد دولة قوية بلا عقل علمي منفتح.” لم يكن يؤمن أن الاستبداد هو القوة، بل رآه الخوف في صورة رجل، رآه عدواً خفياً في المعمل كما هو في القصر.
بلد لايستحق التخلف
وحين سُئل عن مصر، لم يغنِّ لها كأولئك المطبلين، بل بكى لها، وقال: “بلد بهذا التاريخ وهذه العقول لا تستحق كل هذا التخلف.” لم يكن زويل ضد مصر، بل كان ضد ما حدث لمصر… ضد اغتيال العقول وسحل الطموح وتشريد الكفاءات.
أما عن العالم، فكان زويل عالمًا عالميًّا بالفعل لا بالعنوان، رأى أن الحضارة ليست جغرافيا بل عقل. قال: “ليس الغرب غربًا بالمكان، بل بالتفكير، والعقل العلمي يمكن أن يعيش في أي مكان، إن أُتيح له التنفس.” ولذلك اختار أن ينشئ مدينة للعلوم في بلاده، لا ليتباهى، بل ليُثبت أن مصر تستطيع… لو أرادت.
منظومة تعترف بالعلم
كان يؤمن أن الفارق ليس في عدد الجامعات بل في روح الجامعة، ليس في المناهج بل في منهجية البحث.
وكان يقول: “نحن لا نحتاج إلى علماء خارقين بل إلى منظومة تعترف بالعلم أصلاً.”
زويل لم يكن مجرد عالم فيزيائي، بل كان فيلسوفًا للعلم في وطن لا يحب الفلاسفة… رجلٌ إذا تكلّم عن المستقبل أصاب الحاضر في مقتل، وإذا سُئل عن السياسة أجاب بالعلم، وإذا سُئل عن التعليم أجاب بالكرامة.
لقد ترك زويل وصيته لمصر: لا مستقبل لكم إلا بالعلم… لا كرامة بلا عقل… ولا عقل في وطن يطرد علماءه ويُصفّق للجاهلين.
رحم الله أحمد زويل… شهادة علم لا شهادة جنسية.
وقد يرحل الرجل، لكن كلماته باقية، تحفر في وعينا إن بقي لنا وعي.
كاتب المقال / الكاتب والناقد الكبير : د . عمر محفوظ