داخل كل قلب توجد رواية لم تكتب بعد ..وجع يرفض الإفصاح عنه

 

بقلم : ليليان خليل

داخل كل قلب .. في زحام الحياة وضجيجها، نمر بالناس كما تمر الرياح على سطح البحر، لا نكاد نلمح إلا الواجهة، بينما الأعماق تظل مخفية، ثقيلة، وغامضة لا يعرفها أحد.

 

فصل لم يقرأه أحد

لكن الحقيقة التي نتجاهلها كثيرا هي أن كل قلب نحياه أو نعبره، يحمل رواية لم تكتب، ووجعا لم يفصح عنه، وأملا خجولا يتعلق بالحياة.

ربما نرى ابتسامة عابرة، لكنها بلسم خفيف على جرح قديم.
وربما نسمع ضحكة عالية، لكنها محاولة لدفن تنهيدة لم تجد طريقها للخروج.


كل إنسان هو ليس قصة ، بل رواية كاملة، فصل فيها للطفولة، وفصل للفقد، وفصل آخر للخيبات، وربما فصل نادر للحب الذي جاء متأخرا أو لم يكتمل.

تلك العيون التي نمر بها دون اكتراث، تخبئ ما لا يقال، خلفها ليال، من التفكير، وندم على كلمات لم تقال، أو قرارات لم تتخذ.

آمال وأحلام لم تتحقق

وفي زوايا القلب، تنام أحلام صغيرة، بعضها تآكل بالصبر، وبعضها لا يزال ينتظر ضوءا يأتي من بعيد على هيئة أمل مثل الصباح حينما يأتي مسرعا.

أحيانا نحتاج أن نتوقف، لا لنحكم، بل لنفهم، أن نمنح الآخرين فرصة أن يظهروا ما وراء الغلاف، فمن نحن حتى نحكم على صفحات لم نقرأها؟ ومن نحن حتى نختصر إنسانا في موقف، أو ردة فعل، أو سطر واحد من روايته الطويلة؟ في داخل كل قلب توجد رواية لا تكتب بالحبر، بل بالدموع والصبر، وبنظرات الرجاء، وارتجافات الخوف.

رواية لا تقرأ بسهولة، بل تحتاج قلبا آخر… لا عينا فقط.
فهل نملك الشجاعة لنقرأ بقلوبنا؟ وهل نملك الرحمة لنكون فصلا لطيفا في رواية أحدهم، لا جرحا آخر يُضاف؟

قد نظن أحيانا أن القلوب تتشابه، وأن الألم واحد، لكن الحقيقة أوسع من ذلك بكثير، فكما لا تتطابق بصمات الأصابع، لا تتشابه بصمات الحزن ولا تجاعيد الذاكرة، ولا حتى طرق التحمل.

هناك من يبتسم رغم أن قلبه متعب للغاية، وهناك من يصمت لأن كلماته لم تعد تجد من يسمعها، وهناك من يضحك كثيرا لأنه يعرف تماما معنى البكاء بصمت، ويخشى العودة إليه.

هناك فصل يزور فيه قبرا لا يجرؤ على البكاء عنده؟ أو يفتح فيه رسالة قديمة، لم يكن من المفترض أن تفتح بعد، أو يتذكر وعدا لم يوف به، وخذلانا أتى ممن كان يظن أنه الأمان.

نعيش بين بعضنا، نحمل هواتف ذكية ووجوها مرنة .. لكننا نخبئ في داخلنا ذاكرة مزدحمة بالصور، والأصوات، والوجوه التي رحلت، والمواقف التي بقيت في القلب كأنها حدثت فى اللحظة.

ولأن الرواية داخل القلب ليست دائما جميلة، يتقن البعض فن الإخفاء، يتظاهرون بالقوة، بينما أرواحهم متعبة، يمنحون الحب، وهم من الداخل يبحثون عن ذرة إحتواء، يعتذرون بسرعة، لا لأنهم مخطئون، بل لأنهم يخشون الهجر أكثر من كبريائهم، ولأننا لا نعلم ما تحمله الروايات الخفية، فلتكن قلوبنا راحة للبعض الآخر لا متعبة.

فلنُحسن الظن، ونتأنى في الأحكام، ونقدر أن الصبر الذي نراه على وجوه الآخرين، قد يكون، آخر ما تبقى لهم من قوة.
وربما، أكثر ما يحتاجه الإنسان، ليس حلا سحريا، ولا أمرا صعبا، بل مجرد يد تمتد نحوه، أو كلمة تقول: أنا أفهمك… حتى وإن لم أستطع إصلاح كل شيء.

 

خيبة وقسوة لم تنسى

فماذا لو كتبنا رواياتنا؟ تخيل لو أن كل إنسان كتب رواية قلبه، صفحة صفحة، من الطفولة الأولى، إلى الحب الأول، إلى خيبة لم تنس !

هل كنا سنحكم عليه بنفس القسوة؟ هل كنا سنراه بالطريقة نفسها؟ ربما لو كتبنا، لأصبحنا أكثر تسامحا، وأكثر وعيا بأننا لسنا وحدنا من تألم، ولا وحدنا من يخفي دموعه خلف صخب الحياة.

ربما لو كتبنا، لاكتشفنا أننا جميعا نخوض نفس الحرب، لكن بأسلحة مختلفة… وقلوب مرهقة، تبحث فقط عن لحظة سلام.

 

في داخل كل قلب توجد رواية، لكن ليست كل الروايات تُروى.
بعضها يدفن مع أصحابه، وبعضها يحكى في نظرة، وبعضها ينتظر من يملك قلبا صافيا، ليقرأه كما هو… دون تعديل، ودون حكم، فكن ذلك القلب.

كن ذلك الإنسان الذي يشبه الصفحة البيضاء… الذي يمر خفيفا، لكنه يُحدث فرقا، لعلك بذلك، تكون أنت الفصل الأجمل في رواية احدهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.