حالة المنتصف المميت ” مابين الحلال والحرام والأبيض والأسود”
حالة المنتصف المميت ” مابين الحلال والحرام والأبيض والأسود”
بقلم د. رحاب أبو العزم
ماهية حالة المنتصف المميت
إن التردد بين الحلال والحرام.. بين الأبيض والأسود.. بين الحقيقة والزيف.. بين الاستقامة والانحراف..التردد بين الضوء الساطع والظلام الداكن..بين العقل والجنون…التردد بين العلم والجهل هي حالة المنتصف المميت.. حالة يتعرض لها الإنسان في مراحل حياته المختلفة…حالة قد يصل إليها في شبابه وتبدأ معه أزمة بداية الثلاثينات، وقد يصل إليها بعد الأربعين مقتربًا من الخمسين وهو ينظر إلى مشيب الشعر مترددًا بين الابتسامة والحزن… مترنحًا بين السكينة والغضب… تلك الحالة المشتتة التي يصل إليها الإنسان ليسعد بها تارة ويشمئز منها تارة أخرى..ذلك المكان القاحل الغريب الذي يجد نفسه واقفًا بقدميه عليه ولكنه يرفضه.. يرفض الصحراء التي تشعره بعجزه وعطشه للهدوء…المنتصف المميت هي حالة من التخبط بين الاستمرار وبين رفض الاستمرار…. حالة بين التعاطف مع من حوله وبين رفض كل من حوله وكل ما حوله من أحداث ترغمه على تقبل ما يرفضه. في منطقة المنتصف المميت تنتاب المرء حالة بين الحكمة والتيه.. حالة بين الضمير الحي كرابط إيمانيّ بالله تعالى وبين اللاضمير المنحرف عن الرابط الإيماني.
أسباب حالة المنتصف المميت
تلك الحالة لا تأتي مصادفة؛ فهي ليست بالمراحل البديهية التي يمر بها الإنسان، وليست حالة عادية فيستهان بها. إن حالة التردد والتشتت تأتي نتيجة وضع الفرد في غير مكانه كالمدير الذي هبط إلى رئاسة الإدارة وهو غير كفء لها، أو بتحميل الفرد أعباء فوق طاقته كالأرملة التي تحملت أعباء النفقة على أبنائها بلا طاقة مالية ولا جسدية تهيئُها لذلك، أو الابنة التي وجدت الجميع يتخلى عن عمد واعي وصارت هي المسئولة فقط عن والديها، أو الابن الذي رأى والده وقد هاجرهم وترك له أعباء الأسرة ليتحملها تاركًا تعليمه وآماله، وتأتي حالة التخبط-أيضًا- لشخص يمضي في حياته بعشوائية وفوضى كالفاشل يحيا دنياه بلا أي هدف.
في هذه الأحوال يتعرض الفرد لكثير من الضغط النفسي يحيله إلى حالة المنتصف المميت؛ فلا يدرك لنفسه طريقًا ولا يحدد لنفسه غاية ولا يختار لهدفه وسيلة؛ فالضغط النفسي أصابه بقدر كبير من التوتر والتخبط والتشتت العقلي. ذلك الضغط النفسي يستهين به المجتمع المتخلف علميًا؛ فالمجتمعات العربية والمسلمة لا تمتلك ثقافة المرض النفسيّ، ولا تعترف بالضغط القاتل الذي يفجر سلوكًا عدوانيًا لا نتخيل مداه. فجأة نجد حبات العِقد وقد انفرطت من بين أيدينا لنقف عاجزين عن الرؤية الحقيقية للأمور، ولا يسعنا إلا قذف الناس بالتهم الباطلة؛ مثل: هذا المدير فاشل، وهذه الأرملة ضحت بأولادها وتزوجت، وهذه الابنة تترك والديها لتتزوج وتعمل، وذلك الابن قد ترك أعباء أسرته لأجل آماله، وهذا الفاشل صار مدمنًا، وتستمر النظرة الضيقة لحياة هؤلاء الذين يعيشون في بؤرة المنتصف المميت بدون دراسة منا عميقة لأسباب أفعالهم التي تتلخص في عبارة واحدة: (لقد انفجروا من حالة المنتصف المميت).
كيفية الخروج من حالة المنتصف المميت
إن الانفجار من المنتصف المميت وقرار الخروج من منطقته يحتاج إلى قرار جرئ من ذات الواقف في منطقة المنتصف المميت؛ ذلك القرار يكمن في الخروج من هذه المنطقة وإلا أدت به الحالة إلى الموت البطيئ، القرار الجرئ بالخروج وبالابتعاد تمامًا عن الحالة المتخبطة التي تشتت الذهن وتعبث بالآمال المستقبلية لتذهب بها إلى السراب. على من يعيش حالة المنتصف المميت واجب انقاذ حاضره ومستقبله من اللاحياة، ومن التشتت واللاهدف، عليه أن يقرر التحرر من قيود ظلم الآخرين الذين لا هم لهم إلا الانتقاد الناجم عن جهلهم بكثير من قضايا الحياة الواقعية.
إن كسر القيود وفك الحصار واجب على كل من يعيش حياة المنتصف المميت؛ فليحيا حياته بالطريقة التي يرتضيها لنفسه طالما لا تغضب الله تعالى وطالما لا تهدر حق الآخرين، عليه إنارة الأماكن المظلمة في حياته والانطلاق إلى تحقيق سعادة الحاضر والمستقبل، وذلك على مراحل العمر سواء كان في بداية الثلاثينات أو الأربعينات أو بعدما تخطى الخمسين. وعليه اللجوء إلى الطب النفسي إن لم يستطع فك الحصار بمفرده، أو الاستعانة بالهوايات التي يتقنها، أو بتكوين علاقات اجتماعية إيجابية تدفعه للأمام، أو النظر العميق لتجارب من سبقوه للاستفادة الفعالة منها، وتجنب كل ما يشكل تهديدًا لحياته الاجتماعية أو العملية أو العلمية.
يا من تعاني حالة المنتصف المميت قبل أن تميتك هذه الحالة فك حصارك، واكسر قيودك واهرب من ظلم الجهلاء، واخرج بنفسك من سجن الماضي، وافتح القلب للمستقبل، فالحياة ستمضي بك أو من غيرك فاسعد نفسك حتى تستطيع أن تسعد الآخرين.
صحة نفسية وإرشاد أسري
حالة المنتصف المميت ” مابين الحلال والحرام والأبيض والأسود”