بالتفاؤل ينتصر الأمل وتصفو الحياة..!!

بالتفاؤل ينتصر الأمل وتصفو الحياة..!!

بقلم/ إيمان سامي عباس

رغم ما تعيشه الإنسانية من ظروف صعبة وتحديات كبيرة ..فإن التفاؤل يبقى هو المخرج الأول للحفاظ على الصحة النفسية للإنسان؛ فالحروب والدماء والدمار والأوبئة والأزمات الاقتصادية تخلق أجواء خانقة تجعل الإحساس بالأمن والاستقرار شيئًا عزيزاً..وهنا يأتى التفاؤل كخيار وحيد لتجاوز التداعيات السلبية القاسية لكل هذه المتغيرات ..وفى ثقافتنا العربية أقوال مأثورة تدعونا للتفاؤل كقولنا «تفاءلوا بالخير تجدوه»..وتلك حكمة عظيمة وحقيقة واقعة ووصفة مجربة..حقًا من تفاءل بالخير وجده، ومن سعى للسعادة حصّلها، ومن أراد التفوق فى عمله أو دراسته واجتهد وأخلص فى عمله تمسك بالأمل بلغ غاية المني.. ومن استسلم للتشاؤم قتله وأضعف روحه؛ فالتشاؤم عدو للإنسان يبدد طاقته، ويضعف عزيمته، ويضيق عليه آفاق الحياة الواسعة.. يقول الله تعالى لمن ضاق صدره وقصر أمله:» «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها»..وقال تعالى داعياً لعدم الاستكانة والاستسلام للقعود عن السعى والعمل: «فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه»..فليس وراء اليأس إلا فوات الأمل وموت الروح.. وهو أكبر عدو للإنجاز والعمل..وتلك مسالك الشيطان وغاية أهل الشر الذين يبغون زرعه فى نفوسنا لإحباطنا وصرفنا عن استكمال مسيرة الحياة.

ولعلّ التفاؤل فن لا يحسنه كثير من الناس يترجمه المؤمن الواثق بربه إلى عمل منتج وسلوك حياة، ولنا فى سيد الخلق القدوة الحسنة وهو القائل صلى الله عليه وسلم :»وأحسنها الفأل»؛ أى أنه كان «يعجبه الفأل»، وينهى عن الطيرة أى التشاؤم..وتلك حكمة لو تعلمون عظيمة..فالتفاؤل مدخل للتيسير ، واليسر جوهر الدين..فما خُيّر رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما تطبيقًا لقول الله تعالي:»وما جعل عليكم فى الدين من حرج» ويقول يقول صلى الله عليه وسلم:» بشِّروا وَلا تُنفِّروا، ويَسِّروا وَلا تُعسِّروا.

ما أحوجنا للتفاؤل؛ فهو يصنع الأمل ويحقق الحلم، ولا يقد عليه إلا النفوس الواثقة بفرج الله ونصره، فمن عرف باب الأمل لا يعرف المستحيل، ومن عرف حقيقة ربه لا يظن به إلا خيرًا..وتلك صفة أساسية لأى شخصية ناجحة.. ومثل هذا التفاؤل يخلق أملًا نحتاجه فى أيامنا الصعبة تلك بسبب ما وقع من أزمات دولية وإقليمية متعاقبة حتى وصلت إلى حدودنا وباتت تؤرقنا، وهنا يأتى التفاؤل دواءً للقلق، ليعمق الثقة بالنفس، ويحفز على النشاط والعمل والتحدي، وهذه كلها عناصر لا غنى عنها لتحقيق النجاح والثبات.

ومن ثمرات التفاؤل أن يجعل النفوس متصالحة مع نفسها ومع من حولها، تمضى بقوة وهمة وثبات ويقين وسكينة نحو مرادها، فالمتفائل ينتظر الفرج قبل النظر إلى المصيبة، ويعلم أن اليسر يصحب العسر، وأن الفرج مع الكرب، وأن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا.. وتراه دائما يغلّب الأمل على اليأس، والتفاؤل على التشاؤم، والرجاء على القنوط، ويرى قرب الفرج كقرب ضوء النهار آخر الليل.

وليس لنا عذر إذا ما أغرقنا فى التشاؤم؛ فكل إنسان بيده أن يصنع لنفسه ولغيره السعادة بكلمة طيبة وابتسامة صافية وحسن ظن فيما عند الله إذا ما أخذنا بالأسباب وتوقعنا الخير فى المستقبل، وآمنا بالقضاء والقدر مع قلب راضٍ بالقضاء، قانع بالعطاء، منسجم ومتجاوب مع سنن رب الأرض والسماء ..كل ذلك يجعل النفس متفائلة برحمته، مطمئنة إلى قدره، راضية بقضائه وعطائه فلا ترى فى الحياة إلا كل خير، وتعمل للخير.

جمال الحياة لا يراه إلا المتفائلون؛ فالحياة من دون تفاؤل كلوحة دون ألوان وروض بغير زهور ..فغيّر نظرتك إليها أيها الإنسان لتجعل حاضرك واحة من السعادة واجعل من مستقبلك حديقة من الأمل ومن ماضيك بئرًا للنسيان ومخزناً للتجارب..كن جميلاً ترى الجود جميلاً فإن كل إناء ينضح بما فيه.

الرزق مكفول ضمنه الله لكل خلقه؛ فلماذا عبوسك وشقاؤك.. يقول تعالي: «وفى السماء رزقكم وما توعدون» ..ولا يبقى لك إلا أن تتفاءل فإن ربك الله من أسمائه الوهاب الرزاق الفتاح العليم الغفار التواب العفو الرءوف الرحيم، ومن أسمائه أيضاً الحكم العدل اللطيف الخبير الشكور الودود الولى الحميد الحسيب الرقيب القريب المجيب.

ومن صفات ربك أن يسبغ النعم ويرفع النقم ويزيل الهم ويكشف الغم ويريح القلب ويسمع النداء ويجيب الدعاء وهو سبحانه أعدل من حكم وَأَنْصَرُ مَنِ ابْتُغِيَ، وَأَرْأَفُ مَنْ مَلَكَ، وَأَجْوَدُ مَنْ سُئِلَ، وَأَوْسَعُ مَنْ أَعْطَي، إن مسنا الضر أو ضاقت بنا السبل وأعيتنا الحيل فلن يخيب لنا فى ربنا أمل. الله طب قلوبنا وهو سبحانه يحنو على آلامنا ..قولوا لمن يشكو الأسى للناس .. قُولوا لِمَن يَشْكو الأسَى للناسِ:لا .. تَشْكُ الأسَى إلا لِرَبِّ الناسِ..فتفاءل لتريح قلبك ونفسك.

من أعظم صفات المتفائلين أنهم يحسنون الظن برب العالمين، فمن أحسن ظنه بربه نال أعلى درجات التفاؤل، ووفقه الله لكل خير، وألهمه الحكمة، وكما قال الله فى الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدى بي»

 تفاءل فقد كان نبيك سيد المتفائلين، بل كان المعلم الأول لغرس الأمل فى النفوس ولو فى أشد الأزمات، كان متفائلا فى أمره كله، فى ترحاله وحله، وفى حربه وسلمه..ففى الهجرة حاصره المشركون فى الغار فما كان منه إلا أن قال لأبى بكر: «لا تحزن إن الله معنا»، «ما ظنك باثنين الله ثالثهما».

نبينا كان يتفاءل بالكلمة الطيبة والاسم الحسن والهيئة الحسنة ويقول: «ويعجبنى الفأل» حتى فى المرض كان يتفاءل، وكانت حياته صلى الله عليه وسلم تمضى بين الصبر والشكر؛ وهما جناحا الرضا وحسن التوكل.

حياة الإنسان- أى إنسان- تمضى بين عسر ويسر؛ فالدهر يومان؛ يوم لك ويوم عليك..يوم حلو ويوم مرٌّ؛ بين شدة ورخاء، تارة يكون مرتاحاً هاديء البال مطمئناً، وتارة تمر عليه أيام وليالٍ عسيرة تجعله متوتراً هائماً فى غياهب الحزن والأسي، وما ذلك إلا لعلة وجود الإنسان فى الحياة وهى الابتلاء لا السعادة ولا الرخاء وهنا يسأل سائل: كيف نعيش التفاؤل والأمل بينما ظروف الحياة كما ترى قاسية والجواب: ألا بذكر الله تطمئن القلوب وتسعد، أما البعد عنه فهو الشقاء بعينه يقول تعالي: «ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً»..وقد اقتضت حكمة الله أن تكون الدنيا دار ابتلاء وعمل والأخرة حساب بلا عمل يقول تعالى «ولقد خلقنا الإنسان فى كبد» أى تعب ومشقة..لكن الله لن يترك عباده هكذا دون حل يساعدهم فى تخطى هذه الابتلاءات والأيام العسيرة والظروف القاسية التى يكابدونها وإنما يثبتهم ويرزقهم القوة والقدرة على التحمل واليقين والصبر والإيمان..وهى أمور من شأنها أن تورث الأمل والتفاؤل فيما هو قادم ويقين بأن كل ما يحصل فيه خير..فكثيراً ما يكون الخير كامناً فيما نعتقده شراً.. يقول الله تعالى « وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون..» لكن الإنسان كثيراً ما يجهل الحكمة فيما يجرى له ولو أنه رضى بما قسمه الله وتحلى بالصبر واليقين لأراح باله لأن كل ما يحصل فيه خير ومسرة وإن لم يكن ظاهراً للعين..وهذا الشعور- إذا وجد- كفيل بأن يجلب لصاحبه التفاؤل والأمل فى الحياة؛ لأن الأمل والتفاؤل لازمان فى حياة الإنسان المؤمن من خلال توقع الأفضل دائماً وإحسان الظن بالله تعالى لأن الله تعالى عند ظن عبده به دائماً.

التفاؤل من علامات الرضا والإيمان.. يقول الله تعالي:» وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم»..فالله يدبر الأمر بحكمة بالغة ولطف خفى لا يدركه إلا ذوو البصائر المستنيرة..ومن سمات المؤمن أن يتعامل بموضوعية وإيجابية مع كل أمر يصيبه، وبنظرة متفائلة؛ فالخير قادم لا محالة، ومن هنا ندرك فلسفة «تفاءلوا بالخير تجدوه»؛ ذلك أن النفس الباطنة قادرة على توجيه التفكير إما فى طريق الأمل والتفاؤل أو اليأس والتشاؤم.

فهل نتعلم التفاؤل؛ ونجعله سلوك حياة نحرص على غرسه فى نفوس أطفالنا منذ نعومة أظفارهم، ذلك أنه يربى فيهم الشعور بالأمل والتفاؤل ويقوى عزيمتهم فى مجابهة تحديات الحياة وعبورها بسلام؛ وهى إما أن تكون ليالى يملؤها التعب والهم والأسى والتفكير المرهق الخائف من الغد أو أن تكون حياة بسيطة راضية قانعة متفائلة بالمستقبل الأفضل؛ وهذا ما يترك أثر طيباً فى الإنسان يتسرب لمن حوله ويخلق فيهم شعورًا إيجابياً حالماً..كما يجعل صاحبه فى قوة وحماس وهمة لا تفتر وعزيمة لا تلين كالسيل لا تنضب ..يسعى دائماً للأفضل وللتطور والتغير ومواكبة كل ما هو جديد.

المتفائل قادر على نشر الطاقة الإيجابية وتعزيز روح التفاؤل والسعادة فى روح المحيطين به على عكس المتشائم الذى يعطى من حوله طاقة سلبية وجوًا كئيباً حزيناً منفراً ينغص على الناس حياتهم.

وفى المقابل هناك من يستحق العقاب؛ والضرب بيد من حديد على يديه، فمن يعسّر الحياة على الناس؛ ويخفى السلع ويحتكرها ليغالى فى أسعارها؛ يدخل اليأس فى نفس الفقير الذى لا يقدر على شرائها، ويدخل الحزن فى نفس القادر الذى يشعر بعجزه عن دفع الاستغلال عن نفسه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.