العطاء في ثوبه البراق .. تعرف علي حكم المشاعر بالعقل
العطاء في ثوبه البراق .. تعرف علي حكم المشاعر بالعقل
بقلم: د. رحاب أبو العزم
كم نتمنى ونعجز عن تحقيق ما نتمناه؛ ومن فطنة المؤمن ألا يحزن لأن الأمل دائمًا يُبهج الحياة ويعطي للزمان حلاوته؛ لكننا نقف تمام العجز عن تلك الأماني التي يستحيل تحقيقها؛ فكم تمنينا أن نعلم نهاية الطريق الذي سلكناه، كم تمنينا إدراك ما تنتهي إليه ممرات الحياة؛ هل من نحب سيستحق؟ هل سيخذلنا؟ هل سيؤلمنا؟ لنظهر بكل قوة من جديد نتمنى ألو أدركنا نهاية الطريق، وعلمنا أننا سقينا الوفاء في غير محله، ومنحنا بإرادتنا التقدير لبشر خذلونا ثم عاتبونا أننا رضينا واستمرينا. كم من البجاحة تمنينا ألو أدركناها قبل المضي بعقولنا وأرواحنا وتاريخنا إلى أصحابها؛ هنا لا سبيل لأمنية يستحيل إضاءتها فلتعلم القلوب أن تتمنى دروب الواقع وتتجنب المستحيلات. ومن ثَم فإننا حينما وثقنا ومنحنا التقدير والاحترام والمشاعر وكان الخذلان هو المقابل فليس معنى هذا سوء من قدرناه، وإنما العيب فينا أننا لم نحكم العقل ليكشف لنا قدْر استحقاقه للاحترام والمشاعر، وبالتالي فالخطأ يكمن في مَنْ عاملناه بأفضل مما يستحق ولم نضع معيارًا عقليًا لحدود استحقاقاته من التقدير والحب.
الحياة السوية بعيدة عن الحب الأفلاطوني
إن العلاقات الإنسانية غير السوية تدور في فلك العطاء بلا مقابل؛ تحب وتعطي حتى تؤمن الأطراف الأخرى أنه حق مكتسب لها، وذلك ليس بالأمر النافع بل يضر بمن يعطي وبمن يأخذ؛ فلا مجال للقلوب أن تحب من طرف واحد فقد جبلت على الفعل ورد الفعل، ولا مجال للحب الأفلاطوني والمدينة المثالية ومن أراد ذلك فلا يقرع أبواب الندم على هروبه من واقع البشرية التي فرضت مبدأ العطاء والأخذ كمبدأ طبيعي بديهي لتأسيس أي علاقة بين اثنين أو أكثر. إن العطاء من طرف واحد أشبه بنزيف بطيء يميت صاحبه تدريجيا.
العطاء يُبنى على ما يحبه الآخرون
إن باب العطاء مفتوح لدى من امتلك صفة الكرم، ولكن عليه أن يعطي بما يحبه الناس الذين يحبهم؛ فتلك المشاعر السامية لا قيمة لها ونحن نعطي ما لا يحتاجه الآخرون. وأفضل مايبينه ذلك مجسد في حسن تبعل الزوجة لزوجها وحسن تبعل الزوج لزوجته؛ فكل طرف عليه الإحسان إلى الطرف الآخر بما يريده هذا الطرف وليس بما يراه مناسبًا، فلا قيمة لعطاء لا يحتاجه الآخر لمجرد القول بأننا نعطي، وعلى من يأخذ واجب الكرم والإحسان ومبادرة العطاء بمثله حتى لا ييأس الآخرون الذين أعطوا وبذلوا أنفسهم من أجل إسعاد المحبين.