حين يتحوّل الحرم المدرسي إلى مسرح جريمة… القضاء يحكم بالمؤبد في قضية «ياسين»

حين يتحوّل الحرم المدرسي إلى مسرح جريمة... القضاء يحكم بالمؤبد في قضية «ياسين»

حين يتحوّل الحرم المدرسي إلى مسرح جريمة… القضاء يحكم بالمؤبد في قضية «ياسين»

في مشهد قضائي حاسم، طوت محكمة جنايات دمنهور صفحة من صفحات الألم، بإصدار حكم بالسجن المؤبد على المتهم في واقعة هتك عرض طفل داخل حضانة تابعة لإحدى المدارس الخاصة المعروفة بمحافظة البحيرة. القضية التي أثارت ضجة واسعة في الأوساط الاجتماعية والإعلامية، انتهت بإدانة المتهم “ص. ك”، البالغ من العمر 79 عامًا ويعمل مراقبًا ماليًا بالمدرسة، بعد ثبوت تورطه في الاعتداء على الطفل “ياسين” البالغ من العمر خمس سنوات.

كتب: هاني سليم 

بداية المأساة: جريمة تهز ثقة المجتمع في بيئة التعليم

تعود وقائع القضية إلى وقت سابق من العام الدراسي الحالي، حين تقدمت أسرة الطفل ببلاغ رسمي إلى النيابة العامة، يفيد بتعرض نجلهم لانتهاك جسيم داخل أسوار المؤسسة التعليمية التي يفترض أن تكون حاضنة للأمان والرعاية. وفقًا لأقوال والديه، وقعت الجريمة أثناء اليوم الدراسي داخل غرفة تابعة لحضانة المدرسة، على يد موظف إداري يشغل منصبًا رفيعًا في الشؤون المالية للمؤسسة.

الصدمة لم تقتصر على الأسرة وحدها، بل امتدت إلى أولياء الأمور والمجتمع المحلي، الذين عبروا عن ذهولهم من وقوع مثل هذه الجريمة داخل مؤسسة تعليمية ذات سمعة واسعة.

  

عقبات في طريق العدالة: محاولة طي الملف ورفض الاستسلام

واجهت أسرة المجني عليه طريقًا طويلًا وشاقًا للوصول إلى العدالة. فبحسب ما روته والدة الطفل أمام هيئة المحكمة، تم حفظ التحقيقات في القضية أكثر من مرة دون اتخاذ إجراءات قانونية، ما دفع الأسرة لتقديم عدة تظلمات ومناشدات للنيابة العامة لإعادة النظر في ملف القضية.

وبعد مراجعة شاملة للوقائع وشهادات الشهود والتقارير الفنية، قررت النيابة العامة، برئاسة المستشار محمد الحسيني، المحامي العام لنيابات وسط دمنهور، إحالة القضية إلى محكمة الجنايات بتاريخ 2 مارس 2025، مع توجيه الاتهام للمتهم بموجب المادة 268 من قانون العقوبات المصري، التي تجرم هتك العرض، خاصة في حال كان الضحية طفلًا لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره.

جلسات المحكمة: تفاصيل صادمة وإجراءات أمنية مشددة

انطلقت أولى جلسات المحاكمة أمام الدائرة الأولى بمحكمة جنايات دمنهور، المنعقدة بمقر محكمة إيتاي البارود، برئاسة المستشار شريف كامل مصطفى، وعضوية المستشارين أحمد حسونة عزب، وأدهم محمد سعيد، ومحمد سعيد عبدالحميد، وسط إجراءات أمنية مشددة ونقل إعلامي واسع.

وقد حملت الجلسة الأولى لحظات مؤثرة، بعد أن سمحت المحكمة لوالدة المجني عليه بالحديث، حيث روت تفاصيل الانهيار النفسي الذي أصاب طفلها بعد الحادث، والمعاناة التي عاشتها الأسرة في محاولتها انتزاع حقه من بين طيات الإجراءات البيروقراطية.

القضية قُيدت برقم 33773 لسنة 2024 جنايات مركز دمنهور، وجرى تسجيلها كليًا برقم 1946 لسنة 2024 جنايات وسط دمنهور.

الدفاع ينكر والمحكمة تحسم الجدل بالأدلة

أثناء جلسات المحاكمة، طالب محامي المتهم ببراءة موكله، نافيًا ارتكابه للواقعة، كما طلب تعديل القيد والوصف القانوني للتهمة. إلا أن المحكمة، وبعد مراجعة كافة الأدلة والشهادات والتقارير الفنية، رأت ثبوت الواقعة على نحو لا يدع مجالًا للشك، وأصدرت حكمها بالسجن المؤبد على المتهم.

رسالة حاسمة: لا تسامح مع انتهاك براءة الطفولة

يعكس هذا الحكم القضائي الصارم إصرار الدولة المصرية على حماية حقوق الطفل، ورفضها القاطع لأي انتهاك يمس بكرامته الجسدية أو النفسية، لا سيما داخل المؤسسات التعليمية التي تُعد خط الدفاع الأول في بناء الأمان المجتمعي.

ويأتي الحكم كرسالة حازمة لكل من تسوّل له نفسه استغلال موقعه الوظيفي أو الاجتماعي للإضرار بالأطفال، مفادها أن القانون سيطاله حتمًا، وأن العدالة لن تتجاهل صراخ الضحايا مهما طال الزمن أو تعثرت الإجراءات.

قضية تتجاوز أوراق المحكمة: دعوة للتغيير المجتمعي والرقابي

قضية الطفل “ياسين” لم تكن مجرد ملف في أدراج النيابة أو جلسة في أروقة القضاء، بل هي جرس إنذار قوي يدعو إلى مراجعة شاملة لآليات الرقابة داخل المدارس، وتقييم بيئات التعليم ومدى أمانها، خصوصًا في مراحل الحضانة ورياض الأطفال.

كما أنها تؤكد على أهمية دعم الأسر وتمكينهم قانونيًا ونفسيًا لمواجهة هذا النوع من الجرائم، وإلزام المؤسسات التعليمية بوضع سياسات صارمة لحماية الأطفال وتدريب الكوادر على كيفية التعامل مع الأزمات الأخلاقية والإنسانية.

المزيد: الأرصاد تحذر المواطنين: يوم الأربعاء يشهد عاصفة ترابية وأمطار.. لا تخرجوا إلا للضرورة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.