الدلتا الجديدة : تفاصيل أضخم مشروع لاستصلاح الأراضي في مصر
مشروع الدلتا الجديدة : شريان حياة أخضر في قلب الصحراء المصرية نحو مستقبل زراعي واعد تابع التفاصيل على أخبار مصر 24.
كتب باهر رجب
في خطوة استراتيجية طموحة لمواجهة تحديات الأمن الغذائي المتزايدة وتلبية احتياجات النمو السكاني،
أطلقت مصر واحدا من أضخم مشاريعها القومية في العصر الحديث: مشروع الدلتا الجديدة.
يهدف هذا المشروع العملاق إلى استصلاح وزراعة مساحات شاسعة في الصحراء الغربية، تتراوح تقديراتها بين 2.2 و 2.8 مليون فدان،
مما يمثل إضافة نوعية قد تصل إلى 15-23% من إجمالي الرقعة الزراعية الحالية في البلاد، فاتحا افاقا واسعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتنمية مستدامة شاملة.
رؤية استراتيجية وأهمية وطنية
ينبع المشروع من رؤية قيادية تهدف إلى الخروج من الوادي الضيق والدلتا القديمة المكتظة، وتوسيع الحيز العمراني والزراعي لمصر.
تبلورت فكرة استغلال منطقة غرب الدلتا منذ أوائل الألفية، حيث مولت الكويت دراسات الجدوى عام 2003، وتوالت الدراسات و الاتفاقيات مع مؤسسات دولية كالبنك الدولي ووكالة التنمية الفرنسية في السنوات اللاحقة.
إلا أن الزخم الحقيقي جاء مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أعطى دفعة قوية للمشروع كجزء من استراتيجية أوسع للتنمية، مؤكدا على ضرورة إنجازه في إطار زمني مضغوط لتحقيق أهدافه سريعا.
يهدف المشروع إلى:
تحقيق الأمن الغذائي:
عبر زراعة محاصيل استراتيجية كالقمح والذرة والبقوليات، وتقليل الاعتماد على الواردات.
خلق فرص عمل:
تشير التقديرات إلى توفير نحو 5 ملايين فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة:
تخفيف الضغط السكاني على الدلتا القديمة والوادي.
تعظيم الاستفادة من الموارد المائية:
من خلال تبني حلول مبتكرة لإدارة المياه.
دعم الاقتصاد الوطني:
عبر زيادة الصادرات الزراعية وتطوير الصناعات القائمة على الزراعة.
الموقع و النطاق الجغرافي
يقع مشروع الدلتا الجديدة في قلب الصحراء الغربية، بامتداد محور “روض الفرج – الضبعة” الحيوي، بالقرب من الساحل الشمالي الغربي وشبكة الموانئ والطرق الرئيسية،
مما يسهل عمليات النقل واللوجستيات. يربط المشروع بين الحدود الإدارية لأربع محافظات رئيسية هي: مطروح، البحيرة، الجيزة، والفيوم.
المكونات الرئيسية للمشروع
يتألف مشروع الدلتا الجديدة من عدة مشاريع فرعية متكاملة، أبرزها:
مشروع مستقبل مصر:
يعد نواة الدلتا الجديدة و قاطرتها الزراعية،
ويقع على امتداد محور الضبعة.
تبلغ مساحته المستهدفة حوالي 1.05 مليون فدان،
تم استصلاح وزراعة جزء كبير منها بالفعل
(حوالي 400-500 ألف فدان حسب المصادر المختلفة).
يعتمد بشكل أساسي على المياه الجوفية، باستخدام نحو 1600 جهاز ري محوري مطور.
يشمل بنية تحتية متكاملة من طرق داخلية (500 كم)، محطات كهرباء (بقدرة إجمالية قد تصل إلى 700 ميجاوات)، ومناطق صناعية و لوجستية،
بما في ذلك صوامع غلال حديثة بالتعاون مع شركات عالمية مثل “فامسون” الصينية.
ينفذه ويشرف عليه “جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة”.
مشروع جنوب محور الضبعة:
يقع غرب مشروع “مستقبل مصر”، بمساحة مستهدفة تبلغ 500 ألف فدان.
تعتمد زراعته بشكل رئيسي على مياه الصرف الزراعي المعالجة القادمة من محطة الحمام العملاقة.
أثبتت الدراسات صلاحية أكثر من 90% من أراضيه لزراعة المحاصيل الاستراتيجية والخضر والفاكهة.
مشروع جنة مصر:
مشروع أصغر نسبيا بمساحة 64 ألف فدان.
يعتمد في ريه على مزيج من المياه الجوفية (46 ألف فدان) والمياه المعالجة القادمة من محطتي الصرف الصحي بمدينة السادس من أكتوبر
(18 ألف فدان عبر خطوط نقل مخصصة وخزانات).
يهدف إلى بناء مجتمعات عمرانية زراعية متكاملة.
إدارة الموارد المائية: ابتكار لمواجهة الندرة
يكمن أحد أبرز جوانب التفرد والابتكار في مشروع الدلتا الجديدة في اعتماده على مصادر مائية متنوعة وغير تقليدية، تدار بكفاءة عالية:
المياه الجوفية:
كشفت دراسات معمقة (بالتعاون مع هيئة الاستشعار عن بعد ووكالة ناسا) عن وجود خزانات جوفية ضخمة و عذبة نسبيا (ملوحة منخفضة 400-1000 جزء في المليون في الطبقات العليا) تحت منطقة المشروع،
بسمك مشبع بالمياه يصل إلى مئات الأمتار، مع تغذية محتملة من خزان الحجر الرملي النوبي العميق عبر فوالق جيولوجية.
معالجة مياه الصرف الزراعي:
يعد هذا المحور ثورة في إدارة المياه، حيث تم إنشاء:
مسار ناقل (ترعة الحمام الجديدة/ترعة الدلتا الجديدة): شبكة ضخمة من القنوات المفتوحة و المواسير العملاقة (باقطار تصل إلى 3 أمتار) تمتد لنحو 170 كم،
لتجميع مياه الصرف الزراعي من مصارف الدلتا القديمة
(مثل العموم، غرب النوبارية، إدكو) التي كانت تلقى سابقا في البحر المتوسط.
محطة معالجة الحمام:
تعتبر أكبر محطة لمعالجة مياه الصرف الزراعي في العالم (مسجلة في موسوعة جينيس)، تعمل بطاقة إنتاجية هائلة تبلغ 7.5 مليون متر مكعب يوميا،
وتعالج المياه ثلاثيا لتصبح صالحة للري الامن و المستدام.
معالجة مياه الصرف الصحي:
تستخدم مياه معالجة من محطات مدينة 6 أكتوبر لري أجزاء من مشروع “جنة مصر”.
المياه النيلية (محدودة):
يتم نقل كميات محدودة عبر “ترعة تحيا مصر” (مسار بطول 41.3 كم) من فرع رشيد لدعم أجزاء معينة من المشروع.
البنية التحتية الداعمة
لم يقتصر المشروع على استصلاح الأراضي، بل شمل بنية تحتية متكاملة تضمنت:
شبكة طرق داخلية وربطها بالمحاور الرئيسية.
محطات توليد كهرباء ضخمة.
شبكات ري حديثة ومحطات رفع عملاقة.
تبطين الترع والمصارف لتقليل الفاقد المائي (كجزء من المشروع القومي للتبطين).
مناطق صناعية و لوجستية لدعم الصناعات الزراعية والتخزين.
التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية
ينتظر أن يحدث مشروع الدلتا الجديدة تحولا جذريا في القطاع الزراعي المصري، من خلال:
زيادة ملحوظة في إنتاج المحاصيل الاستراتيجية وتحسين معدلات الاكتفاء الذاتي.
تعزيز الصادرات الزراعية المصرية.
توفير ملايين فرص العمل والمساهمة في خفض معدلات البطالة.
تنمية مجتمعات جديدة متكاملة الخدمات.
دفع عجلة النمو الاقتصادي المستدام.
التحديات والمستقبل
رغم الإنجازات الكبيرة، يواجه المشروع تحديات تتعلق بضمان استدامة الموارد المائية الجوفية، وإدارة ملوحة التربة المحتملة نتيجة استخدام المياه المعالجة على المدى الطويل،
والحاجة المستمرة لتدريب العمالة على تقنيات الزراعة الحديثة. ومع ذلك، تؤكد الحكومة المصرية والخبراء على أن المشروع يمثل نقلة نوعية و ركيزة أساسية لمستقبل مصر الزراعي،
مع خطط مستمرة للتوسع والمتابعة الدقيقة لضمان تحقيق أهدافه التنموية الشاملة.
ختاما،
يقف مشروع الدلتا الجديدة شامخا كدليل على إرادة مصر وقدرتها على تحويل الصحراء إلى أرض خضراء منتجة، مستخدمة العلم والابتكار والتخطيط الاستراتيجي لتأمين مستقبلها الغذائي والمائي، وبناء غدا أفضل لأجيالها القادمة.