التنمية المستدامة من بوابة الفن: تكريم د. إيهاب صبري نموذجًا لوعي أكاديمي متجدد
التنمية المستدامة .. عكس مشهد في أكاديمية الفنون، دور المؤسسات في أكاديمية الفنون و ايضا في بناء الوعي الثقافي ودعم التنمية المستدامة، كرّمت الدكتورة غادة جبارة، رئيسة أكاديمية الفنون، الدكتور إيهاب صبري، مدرس النقد الموسيقي بالمعهد العالي للنقد الفني، تقديرًا لجهوده البحثية ومشاركته الفعالة في الدورة التدريبية الخاصة بصناعة المحتوى باستخدام الذكاء الاصطناعي.
كتبت: ماريان مكاريوس
يأتي هذا التكريم في إطار فعاليات المؤتمر العلمي الدولي الثامن لأكاديمية الفنون، الذي حمل هذا العام عنوانًا دالًا: “دور الفنون في التنمية المستدامة”. وقد عُقد المؤتمر تحت رعاية وزارة الثقافة، على مدار يومي 27 و28 مايو، بمشاركة سبع دول عربية، ومداخلات بحثية غطت جميع أفرع الفنون، من المسرح والموسيقى إلى فنون الطفل والرقص التعبيري.
لكن ما يجعل هذا الحدث يتجاوز مجرد تكريم تقليدي، هو الخلفية الفكرية التي يستند إليها. إذ لم يُكرّم الدكتور إيهاب صبري فقط على بحث علمي، بل على مشروع فكري متكامل يسعى إلى إعادة هيكلة النقد الموسيقي في ضوء التحولات الرقمية، وإدماجه ضمن مسارات التنمية المستدامة، وهي رؤية تبدو طموحة ومتماهية تمامًا مع تطورات العصر.
اقرأايضا: جنات لأول مرة في السعودية تتألق ضمن “نوستالجيا فورها
عندما يصبح النقد أداة من أدوات التنمية
البحث الذي نال التكريم جاء بعنوان: “تطوير أطر النقد الموسيقي الرقمي في سباق التنمية المستدامة في مصر”، وهو عنوان يُعبّر عن مقاربة جديدة ترى في الموسيقى والنقد ليس فقط أدوات للتقييم الفني، بل عناصر فاعلة في النسيج المجتمعي والتنموي.
يرى صبري، من خلال ما نُشر له سابقًا من أبحاث ومقاربات نقدية، أن الموسيقى ليست فقط فنًّا للمتعة، بل هي خطاب ثقافي وتاريخي يحمل في طياته أبعادًا سياسية، مجتمعية، وتعليمية، وبالتالي فإن قراءة هذا الفن، نقديًا، وفق أسس علمية ومؤسسية، تتيح إدماجه في منظومة التنمية طويلة المدى.
وبالفعل، فإن ما تشهده مصر والمنطقة من توسع في استخدام الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المحتوى الرقمي، يفرض على العاملين في المجال الفني مراجعة أدواتهم، وهو ما فعله صبري في دورته المتخصصة حول “مبادئ صناعة المحتوى باستخدام الذكاء الاصطناعي”، حيث كانت مشاركته ذات أثر فعّال كما جاء في كلمات التكريم.
اقرأ ايضا: فيلم المشروع x يحطم الارقام القياسية في الإيرادات أمس الأربعاء
غادة جبارة… إدارة بمفهوم الرؤية
لا يمكن قراءة هذا التكريم بعيدًا عن الدور المتنامي الذي تلعبه الدكتورة غادة جبارة، التي تقود أكاديمية الفنون برؤية تتخطى الأطر الإدارية إلى آفاق التنمية الثقافية الشاملة. فقد استطاعت جبارة، خلال السنوات الأخيرة، أن تجعل من الأكاديمية مركزًا للبحث والتفاعل الثقافي العربي، وليس فقط المصري.
وقد تجلّى ذلك واضحًا في المؤتمر الأخير، الذي لم يقتصر على مشاركات محلية، بل شهد تفاعلات عربية واسعة، من السعودية والكويت إلى تونس والعراق. والأهم أن محاور المؤتمر لم تُصمَّم على نحو تقليدي، بل شملت موضوعات تمس جوهر العلاقة بين الفن والحياة: كالنقد، والترجمة، وفنون الطفل، بل وحتى الباليه، الذي عادة ما يُنظر إليه كفن نخبوي، ولكن تمت مناقشته في المؤتمر كأداة تربية ووعي.
إيهاب صبري… النقد كوثيقة وتاريخ
يُعد الدكتور إيهاب صبري من الأسماء التي رسّخت حضورها في مجال النقد الموسيقي في مصر خلال العقدين الماضيين. وهو لا يكتب فقط من موقع أكاديمي، بل يمارس النقد كنوع من “الكتابة التوثيقية”، كما يصفها، حيث يُعنى بتأريخ وتحليل وتفكيك الظواهر الموسيقية.
من أبرز كتبه: “الموسيقى بين الفن والفكر” و*”سمات النقد الموسيقي المعاصر في مصر”* و*”فن الموسيقى السينمائية”*. كما نُشرت له دراسات ومقاربات نقدية في مجلات فكرية متخصصة، أبرزها “أدب ونقد”، حيث تناول الإرث الغنائي والمسرحي لكل من عبد الحليم نويرة، ومحمد نوح، وحلمي بكر، في دراسة رصينة بعنوان: “رؤية توثيقية لموروث المسرح الغنائي المصري”.
يُقدّم د إيهاب صبري في هذه الأعمال تصوّرًا للنقد لا بوصفه ممارسة نظرية فقط، بل باعتباره جسراً بين الماضي والمستقبل، يوثّق ما كان ويقترح ما ينبغي أن يكون، مستندًا إلى منهج تحليلي يجمع بين التقنية الموسيقية والسياق الثقافي والاجتماعي.
المؤتمر… ملامح مرحلة جديدة في الفكر الفني العربي
المؤتمر الذي انعقد تحت إشراف غادة جبارة جاء بمثابة تأكيد على أن أكاديمية الفنون لا تزال قادرة على لعب دور ريادي، ليس فقط في تخريج الفنانين، بل في إنتاج المعرفة وتشكيل الرؤى. وقد غطى المؤتمر ثمانية محاور رئيسة: المسرح، السينما، الفنون التشكيلية، الفنون الشعبية، فنون الطفل، الباليه، الأداء الحركي، الموسيقى، والنقد.
ومع انفتاحه على دول عربية، بات المؤتمر منصّة للحوار العربي الفني، وهو ما يؤسس لفضاء إقليمي يتبادل فيه الفنانون والنقّاد الخبرات والرؤى، في وقت تشهد فيه المنطقة تحديات سياسية واقتصادية وثقافية تتطلب خطابًا فنيًا واعيًا.
نحو أفق جديد بين الفن والتنمية
يُعد تكريم إيهاب صبري تتويجًا لمسار فكري يتقاطع فيه الفن بالنقد، والتقنية بالإبداع، والتنمية بالوعي. ويبدو أن أكاديمية الفنون، بقيادة غادة جبارة، بدأت ترسم ملامح أفق جديد تتداخل فيه الأدوار: فالمؤسسة الأكاديمية ليست مجرد فضاء للتعليم، بل مركز لإنتاج المعنى، وصوغ السياسات الثقافية، والمشاركة في تطوير المجتمعات.
وهنا تبرز قيمة الفن، ليس فقط كأداة تعبير، بل كرافعة تنموية، وكما يقول صبري نفسه: “حين يتحول النقد إلى ممارسة تنموية، يصبح للفن وظيفة أكبر من الجمال… يصبح ضرورة”.