البحث عن أصول الأشياء وأثره على التفكير …
بقلم/ إيمان سامي عباس
من يتأمل في نشأة الأشياء ويبحث في بداياتها يكتشف أن التاريخ ليس رواية ثابتة، بل سردية متغيرة تتأثر بالظروف والأشخاص. فالآيات القرآنية والأحاديث النبوية لا تُفهم على وجهها الصحيح إلا بمعرفة أسباب النزول أو ظروف الرواية، وكذلك الأمثال والحكم التي تتردد على ألسنتنا لا يمكن إدراك دلالتها إلا بالعودة إلى مناسبتها الأصلية. هذا الميل الشخصي للبحث عن الجذور انعكس على طريقة النظر للأحداث؛ فلا يُمكن الحكم على معركة تاريخية دون إدراك دوافع القائد الذي قرر الحرب أو الانسحاب، إذ قد يكون ما عُدّ شجاعة مجرد تهور، وما وُصف بالخذلان في الحقيقة حكمة ورجاحة عقل.
التفكير النقدي وأثره على قراءة الواقع
الاهتمام بالبدايات والأصول كوَّن طريقة تفكير ناقدة ترفض التسليم بالثوابت دون فحص. فالثوابت ذاتها وُلدت من قرارات بشرية قابلة للصواب والخطأ، وجاءت في سياقات تاريخية واجتماعية محددة. لذلك كان من الطبيعي أن يمتد هذا النهج إلى التفكير في شكل الحكومة المصرية وهيكلها الإداري؛ فبدلاً من التسليم بما هو قائم، يثور التساؤل: هل الهيكل الحالي ملائم للتطورات الراهنة؟ أم أننا بحاجة إلى إعادة نظر شاملة تُعيد رسم خريطة الوزارات؟
كذلك التجربة تظهر أن بعض الوزارات نشأت من ظروف استثنائية مثل وزارة السد العالي، وأخرى جاءت استجابة للتطورات الحديثة مثل وزارتي البيئة والتكنولوجيا. هذا يفتح الباب أمام ضرورة مراجعة شاملة لتقسيم الوزارات: دمج المتشابه منها، وإعادة هيكلة غير المتجانس، بل وربما التفكير في استحداث حقائب جديدة أكثر شمولية. فمثلاً، وجود وزارة موحدة للاقتصاد تجمع الاستثمار والتعاون الدولي سيُحقق تناغماً أكبر في صنع القرار الاقتصادي. وبالمثل، دمج الثقافة والإعلام والوعي القومي في وزارة واحدة يعزز بناء القوة الناعمة. أما بقاء هيئات اقتصادية كبرى. داخل وزارات دعوية أو هيئات ثروة معدنية داخل وزارات بترولية،. فيثير تساؤلات حول مدى منطقية هذا التوزيع.
إن التفكير النقدي،. القائم على البحث في الأصول والظروف، يجعلنا أكثر قدرة على. طرح مثل هذه الأسئلة الجوهرية التي لا تخص الحكومة وحدها، بل تهم مستقبل المجتمع كله.
كاتبه المقال إيمان سامي عباس