الأم الصديقة» تصل بابنتيها من كفر صغير إلى العالمية 

الأم الصديقة» تصل بابنتيها من كفر صغير إلى العالمية

 

“أنا وبناتي مش بنتعامل أم وبناتها، إحنا أخوات وأصحاب وحبايب وأسرارنا مع بعض»، هكذا بدأت الأم حديثها عن العلاقة التي تربطها بابنتيها، «لبنى» 40 عاما، مؤكدة أن غرسها لمثل هذه المفاهيم مع الثوابت والتقاليد بشخصية بناتها جعلها تطمئن عليهما في قدرتهما على تحمل المسؤولية، والسفر للخارج بمفردهما، لحصد الألقاب والبطولات الدولية.

 

 

منزلها الصغير بقرية كفر العرب بمركز فارسكور بمحافظة دمياط، البعيد عن العاصمة؛ لم يمنعها من حلمها بتربية ابنتيها «يمنى وروان» على تحمل المسؤولية وتحقيق الذات، فأقدمت على تعليمهما الألعاب القتالية، وسط سيل من الانتقادات من المحيطين بها، الذين تغلب عليهم الطبيعية المحافظة، التي لا تتخيل ممارسة الفتاة لرياضة عادية، فضلا عن كونها قتالية، لكن الأم (لبنى) لم تلتفت لكل هذا، لتدافع عن وجهة نظرها باستماتة، وليتكلل مجهودها بعد سنوات طويلة، بوصول ابنتها الكبرى «يمنى عياد» لأولمبياد باريس لتكون بذلك أول مصرية تصل الأولمبياد في رياضة الملاكمة، وبعدها بأيام تنجح ابنتها الصغرة «روان» في حصد فضية العالم في لعبة الـMMA القتالية أيضا.

 

بدأت لبنى رحلتها مع ابنتيها من مركز الشباب المتوفر بالقرية، فألحقتهما بالفرق الخاصة بالألعاب القتالية مثل الكنغو فو والمواي تاي والـMMA، ليكونا أول فتيات بالقرية يلعبن هذه الألعاب مع الأولاد الذكور، بحسب حديث لبنى صبري حجازي، موظفة بمديرية أمن دمياط، لـ«هن»: «القرية مفهاش نوادي فيها بس مركز شباب، ومدارس عادية ابتدائي وإعدادي وثانوي، وصعب أوي فعلا إن الأم تكون عايشة في قرية وعندها بنت، خصوصا في سن معين، الكل بيبقى رأيه إنها ما ينفعش تلعب رياضة، خاصة لو لعبة قتالية، وإن البنات مصيرهم للجواز وأن الرياضة هتأثر على دراستهم والحمد لله إني ما أنجرفتش ورا الكلام ده، كان زمانهم ما حققوش البطولات العالمية ولا يمنى وصلت للأولمبياد».

 

 

اختيار لبنى، الذي أصرت عليه في تربية بناتها، كان سببا في وصول بناتها إلى البطولات الدولية، وهو ما جعل أكثر المنتقدين لها في السابق، يدعمونها ويثنون على تربيتها، بل ويتخذونها قدوة ونموذجا في التعامل مع بناتهم، ليلحقهن بالرياضات القتالية، وفقا لحديث لبني لـ«الوطن»: «يمكن عشان باشتغل مش ربة منزل، فكنت متفتحة مش أي كلام يؤثر فيا، وبعد ما بناتي اشتهروا وحصدوا الميداليات بقوا بيودوا بناتهم التمرين، وحتى إللي كانوا بينتقدوا سفرنا الساعة 2 الفجر، وكانوا يقولوا لي: ليه البهدلة دي. بقوا يعملوا كده بعد ما شافوا النتيجة إللي وصلت ليها يمنى وروان، والتدريب النهارده في مركز شباب القرية بقا كله بنات عايزين يبقون في نفس مستوى بناتي».

 

 

شغف البنات بالألعاب القتالية ولّد لدى «لبنى» إصرارا بفرض فكرها على الجميع، وهو ما قابلته الفتيات بمزيد من تحمل المسؤولية، وعدم ادخار أي جهد لحصد البطولات، «تحمل البنات للمسؤولية وخوفهم على زعلنا من خسارتهم أنا وباباهم، وتصرفاتهم طول الوقت بتقول إحنا معاكي مش هانخذلك خلاني أفرض الفكر بتاعي على بقية الموجودين بالمكان، وفعلا البلد عندنا بقى فيها أبطال كتير واحد حاصل على مركز ثالث بالبطولة العربية بلعبة مواي تاي، وبطل حقق ثالث عالم بنفس اللعبة، وأصبح هناك العديد من الأبطال الحاصلين على ميداليات بالبطولات المختلفة».

 

 

تقدم بناتها في الألعاب القتالية، وإيمان المدرب بمستواهما، الذي كان يرى أنه بذرة لأبطال عالم، جعل «لبنى» تستمر بطريقها معهما رغم الصعوبات والانتقادات، «مرة بنتي كانت بتلعب بطولة وهي إللي كسبانة، بس مستواها معجبنيش، فأنا تكلمت مع الكابتن إنى شافية البنت مستواها أعلى من كده، قالي أنا شايف بنتك بطلة عالم، هو شاف إمكانياتها توصل لفين وأنا شافية بنتي شغوفة جدا باللعبة، والكابتن شايف مستواها عالي خلاص بقى، مش هاينفع أنزل من مستواها أو مثلا أخليها زي أي حد».

 

تقاليد القرية ليس الصعوبات الوحيدة التي واجهت لبني في تربيتها لبناتها وتحقيقهما للبطولات، لكن أيضا ما يحيط بهما من أفكار لدى أبناء جيلهما، الذين يمكثون ساعات طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي ويقتدون بمشاهير السوشيال ميديا، وترى «لبنى» أن ممارسة بناتها للرياضة ساهم بصورة كبيرة في انشغالهما عن الوقوع فريسة لإدمان السوشيال ميديا، والعديد من السلوكيات الصحية الخاطئة المنتشرة بين أبناء جيلهما، كالسهر وتناول الوجبات السريعة والمشروبات الغازية والشعرية سريعة التحضير وغيرها، «ده كان أكبر مميزات التمرين بالنسبة لي، إنهم بعيد عن كل الحاجات إللي البنات من جيلهم مشغولين بيها، لأن بالتمرين إنتى بتجيبي أكل معين وممنوع أي أكل مش صحي، فبتجيبي أكل صحي جدا، كمان وقت التمرين كتير بيبقى طويل، ويقعدون بالساعات يتمرنوا فيرجعوا خلاص محتاجين الراحة والنوم، كمان اختيار أصحابهم مبقاش عندهم صحاب غير زمايلهم في التمرين».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.