الأخلاق طريق النهضة وبناء المجتمعات .. سلوكياتنا وطرق إعادة تشكيلها

بقلم / إيمان سامي عباس

يحمل تراثنا بين طياته ذخيرة عظيمة من الحكم والوصايا التي تصلح أن تكون منهجًا للحياة، فهي ليست مجرد أقوال عابرة، بل مبادئ راسخة تعيد تشكيل سلوك الأفراد وتبني مجتمعًا متماسكًا. ومن أبرزها قيمة الصدق، إذ يغني صاحبه عن الحلف ويزرع الثقة بين الناس، بينما الكذب يهدم أسس التعامل النزيه ويجعل الحياة قائمة على الريبة. وكذلك اليقين والثقة، فالواثق لا يحتاج إلى كثرة المبررات، وإنما يسير بثبات على الحق، بينما كثرة التردد والاعتذار تزرع الشك وتربك العلاقات. أما الإخلاص فهو سرّ بركة الأعمال، وإذا غاب تحولت الجهود إلى مظاهر خاوية، لا تحمل سوى رياءٍ يفسد النيات.

ولا يقل الكرم مكانة، فهو الذي يشيع التكافل ويرفع الحاجة عن الفقراء، بينما البخل يورث أنانية تضيق بها الصدور. وإلى جانب ذلك، تبقى المحبة لغةً توحّد القلوب وتزيل الخصومات، فإذا ضعفت حلت الفرقة والتناحر، وضاعت روح السكينة.

وصايا للحياة المتوازنة

من الحكم الجامعة التي وردت في تراثنا، الدعوة إلى التواضع بلا ضعف، والعزّة بلا تكبر، فالاعتدال في هذه المعادلة يحفظ للناس كرامتهم ويقي المجتمع من الانقسام الطبقي. كذلك الاحترام المتبادل، الذي هو مبدأ من الدين قبل أن يكون سلوكًا اجتماعيًا، يشيع المودة ويحدّ من الخلافات. كما أن القرآن الكريم ليس غاية في التلاوة والحفظ فقط، بل في أن يظهر أثره على السلوك والمعاملات، لتتحول القيم القرآنية إلى واقع معاش.

وتأتي الابتسامة كرسالة بسيطة تحمل في داخلها قوة هائلة لتليين القلوب وبناء روابط إنسانية، فهي صدقة تنشر البهجة وتقلل من الجفاء. ولعل ما أوصى به لقمان الحكيم لابنه يختصر خلاصة الأخلاق: الوفاء، الاستغفار، الرضا، الصمت الحكيم، واليقين الذي يقود إلى العمل النافع، مع التحذير من الإسراف والغرور، والتأكيد على اختيار الصديق المخلص وحفظ الجوارح من الزلل.

نحو استعادة الروح الأخلاقية

يبقى السؤال: ماذا خسرنا يوم غابت هذه القيم؟ لقد ضعفت الثقة، وقلّ الإخلاص، وانتشرت الأنانية والخصومات، فضاع الأمن النفسي الذي تحتاجه المجتمعات. لكن الطريق إلى النهضة يبدأ بالفرد، فإذا التزم بهذه الوصايا وطبّقها عمليًا، انعكس أثرها على أسرته ومجتمعه، لتعود الأمة قوية بأخلاقها قبل أي شيء آخر. فالأخلاق ليست زينة للحياة، بل أساس قيام الحضارات وضمان استمراريتها.

كاتبه المقال إيمان سامي عباس

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.