ألمانيا النازية و المجتمع المنوم في القومية النشطة

ألمانيا النازية و المجتمع المنوم في القومية النشطة

مصطفى نصار

قراءة ماهية المجتمع الهتلري

كم من مرة سمعت عن الزعيم النازى “ادولف هتلر” !! ربما سمعت عنه كثيرًا ، و هذا مفيد لإنه سيعمل على فهمك للتاريخ ، و على وجه الخصوص التاريخ الألماني لإننا شئنا أم أبينا ألمانيا و فرنسا و إنجلترا من مراكز الثقل في التاريخ الحديث ، ويبدو أن دراسة أحوال مجتمعهم أمر حيوي يعمل على فهم مجتمعنا ، لإنها مجتمعات و دول استعمارية ، و مفارقة التمثيل تعتمد على عدم فهم الشيء جيدًا بحسب “كورين إندوو” ، يقصد بمفارقة التمثيل هي التنظير الصحيح و تناقض ناجم عن التطبيق الخاطئ أو سوء التطبيق على الواقع ، و هو يشبه الإسقاط غير المطابق للأمر و هو تمثيل شيء بشيء آخر غير مطابقين مرجعيًا ، و مطابقين ظاهريًا فقط، و ذلك لإن المرجعية هي الحاكم للشيء ، و يمكن اعتباره نقطة بدء جيدة في سرد التاريخ الأوربي ،ففكرة التاريخ و التأريخ هي مزيج بين الأحداث و التأملات الذاتية ، و هو ما يتضح في كتب لوبون و توينبي ، فهما يقرأن الأحداث و يعلقون عليها مرفقين إياها بهوامش و ملاحظات ، و هذه الرؤية إذ ما طبقت على الحقبة السوداء الخاصة بهتلر في ألمانيا وجدنا أن المجتمع الألماني تحت تأثير القومية النشطة )، و هو أن يقع المرء تحت الشعارات الكاذبة من حب الوطن ، فالحب بالنسبة لهم هو إله يعبد من دون الله ، فالقومي لا يتبع أي دين أو عقيدة ، فهو عالماني بالضرورة ، وإن كان يتبع لمذهب أو دين فهو يطوعه حسب رغبته و هواه، و هو ما يظهر جليًا في كيفية التفكير أيضًا نفسها ، ففي كتابه ” سر تطور الأمم ” يخبرنا غوستاف لو بون أن خنوع فرنسا تحت أحذية الملوك هي لعبهم على 3 سلطات حساسة و هي :
1-السلطة العاطفية
2-السلطة اللاشعورية
3-السلطة التطرفية بين الجبن و المعارضة.
تشريح السلطات الثلاث.
السلطة العاطفية هي السلطة التي تسهم في إثارة العواطف لتهيجها و للسيطرة عليها ،فهذا يعني التحكم في تصرفات الإنسان كلها أو نصفها على الأقل ،وهذا ما أكده الفيلسوف الألماني النازي مارتن هايدغر على تأييده المطلق لهتلر فقط لإنه سيطر على قلبه، الأمر الذي أشار له وزير الإعلام في عهد هتلر جوبلز و هو فن السيطرة على العواطف. و أما بالنسبة للسلطة اللاشعورية فهي نابعة من اللاوعي و قد أسهم العديد من علماء النفس و الاجتماع التي ساهموا في تطور المفاهيم و على رأسهم سيجموند فرويد و جاك لاكان و أبراهام ماسلو و لارسون من المدرسة الحديثة، و دانييال كانمان من المعاصرين و قد أوضح تصنيفًا جديدًا و لكنه قديمًا ، و في كلتا الحالتين، يعتبر مفيد في التفسير لإنه أوضح التقسيم بين التفكير السريع و البطيء، فيعمل التفكير السريع على تخزين ردود جاهزة و تلقائية في العقل الباطن و التفكير البطيء هو الذي يعمل مع التفكير التحليلي و لابد من أن يعمل مع العقل الواعي حتى يكون له المبررات الخاصة بالتحليل المنطقي و ،السلطة التطرفية هي السلطة الاستقطابية و هي سلطة نتنة لإنها قائمة على القمع و الاستبداد و السلطوية و القهر،فهذا المربع إن وُجد في مكان صغير دمره أشد التدمير ، فوفقُا للدكتور زهير فريد مبارك، عندما يستبدل مثلث السلطة الذي صاغه الباحث حازم قنديل بمثلث الاستبداد يفكك الدولة و يجعلها عرضة في مهب الرياح، فمثلث السلطة هي الضامن الوحيد لبقاء الدول ، فبقاء الدول لا يتم إلا بالعدل ،و لو كان طفيفًا ،و هذا ما لم يفعله هتلر ،و كان الألمان منقسمين لفريقين :
1-الفريق الأول كان مع هتلر و مؤيدين له.
2-الفريق الثاني كان ضد هتلر و معارض له و عمل على إفنائهم إلا من أخغى ذلك و جند المواطنين للتبليغ عن أهليهم و أصدقائهم .
و مما سبق، جاءت الدولة القطبية الاستقطابية التنفيرية التي كانت عامل طرد للمفكرين كهربرت ماركوزه و مدرسة فرانكفورت لأمريكا ،و عدت الفيلسوفة اليهودية حنة أرندت ذلك من أصول الشمولية لإن ذلك المجتمع ليس منتحرًا فحسب ،بل لا يفهم فقه الاختلاف و لديه ميول عنيفة تجاه الآخرين، فهذا هو ما حرق اليهود و الغجر و الإيلين بحسب روجيه غاوردي ،و هذا الميل حاله التدمير أو التقويض الذاتي حتى على مستوى الفرد،ففي دراسة 2017 الصادرة عن جامعة نيويورك ،أحضرا الباحثان نيكولي ويتان و ألفرت نيوماك مجموعتين من الشباب و سألا أن يسألوا كل مجموعة ،و ما أن يجيب أحد منهما بشكل خطأ ،يتهمه بأحد التهم المعادية ،ففوجئا بتفكك المجموعتين سريعًا و ضرب كل منهما للآخر ،و هو ما جعلهما يعلقا بأن “قوى الاستقطاب قوية للغاية لدرجة استخدام العنف “.

الحل لمجتمع القومية النشطة.

يقال دائمًا أن لكل مشكلة حل ، و الحل لمجتمع القومية النشطة يكمن في تفكيك ، أو هدمه ، أو حل للمشكلات نفسها و ليس المجتمع نفسه نظرًا لما يعقب الهدم من عواقب وخيمة، و هو ما حصل بالفعل عند انهيار المجتمع الألماني عند انتحار هتلر و إعدام موسوليني في المجتمع الإيطالي ، و إذ تأملنا في الدول السلطوية بشكل عام ،وجدنا أنها دول مركزية أي أن سلطة جميع المؤسسات تتركز في يد مؤسسة أو شخص واحد ،و إحدى الركائز الأساسية لتلك الدولة السلطوية أنها تنظر للإنسان بصفته حيوان و هذا ما فعله هتلر لخدمة الداروينة و هو ما أسماه المؤرخ الأمريكي ريتشارد ويكارت الدارويني في البذلة العسكرية.

كما يصاحب هذه الظاهرة نوعًا من التخلف و الجمود الفكري الذي يجعل المجتمع جامدًا و غير قادرعلى التحليل ، و كما أطلق عليه “ديفيد غربير ” “غياب النقد” ، فتتحول الخبرات العلمية و العملية لمجرد مصالح أداتية تحقق رغبات الإنسان و من أهمها العمل و التكاثر ، و للمفارقة يأتي الحل على لسان علمانيين و ملاحدة و من هؤلاء فيلسوف العقل ستفين ممفورد الذي يرى أن حل المجتمع منطقيًا يبدأ من نشر القيم كالشفافية و الاختلاف الصلب و النقاش الهادي فهذه تتسم بالمرونة لتبادل الخبرات و الفوائد . و بالإضافة لذلك ، لابد من مرجعية عليا يلتزم به الفرد و تغلب على المجتمع لإن بغياب المرجعية العليا تغيب القيم ،و اختلاف مرجعية الفرد مع المجتمع يؤدي لانتصار مرجعية المجتمع لإن بحسب المؤرخ لورنس ديفيدسون كانت اختلاف المرجعيات سببًا في الإبادة الثقافية لشعوب بأكملها، و قد نجد هذا في بحث الدكتور محمد عفان عن علمنة الدين فأدى بذلك لعلمنة الحركات الدينية . فيجب على الفرد أن يرجع للقيم العليا و ينقلها للمجتمع فتصبح كالعدوى ، و في هذا الصدد يخبرنا المؤلف ولتر أرمبرست أن ظاهرة توفيق عكاشة نابعة من هذه العلمنة، و لإنه متخصص عميق في مصر ،فيؤكد على ظاهرة الحاوي عكاشة تستلزم جهل مدق و يقضى على الظاهرة بمجرد إعادة تأصيل الأخلاق. و هذا صحيح جزئيًا ، لإن المنظومة الأخلاقية تخرج من الدين لا من مجتمع عرفي ولا قومية نشطة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.