أحمد عبد الصبور : سيظل الصراع العربي الإسرائيلي مستمر في كل مكان سواء في الأرض أو الفكر أو الفن … وبالطبع في السينما

أحمد عبد الصبور

مروة السوري

بمناسبة الذكرى الـ 49 على إنتصارات حرب أكتوبر المجيدة ، إستضافت قناة النيل الثقافية الناقد والمؤرخ الفني ” أحمد عبد الصبور ” في حلقة بعنوان ” الصراع العربي الإسرائيلي في السينما المصرية ” في برنامج ” واحة الفنون “ مع الإعلامية ” رانيا عادل ” .

 

وقد تحدث ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

 

تضطلع السينما … ذلك الفن الجماهيري بمسئولية كبيرة تجاه قضايا الوطن ، وفي القلب منها قضية الصراع العربي الإسرائيلي الممتد منذ ما يقارب القرن من الزمان .

الأمر الذي أنتج تياراً فنياً لا ينفصل عن السياق الجمعي للوطن والأمة العربية ، فشاهدنا عبر عقود من الزمن توثيقاً سينمائياً لمسارات الصراع العربي الإسرائيلي لدي مخرجين وكتاب مصريين شحذوا هممهم وقرائحهم ، حتي يكون لهم الأثر الباقي في ذاكرة الوطن .

 

– قد تكون البداية الأهم لظهور الصراع العربي الإسرائيلي في السينما المصرية من خلال الأفلام المصرية التي تحدثت عن حرب عام 1948 بين العرب وعصابات الصهاينة ، والتي إشتهرت في الدراسات التاريخية بأنها أحد أسباب قيام تنظيم ” الضباط الأحرار ” بثورة يوليو عام 1952 ضد الملك ” فاروق ” ، والذي إتهمه التنظيم بالتسبب في نكبة 48 نتيجة إمداده الجيش المصري بصفقة من الأسلحة الفاسدة ، وكان ذلك تزامناً مع تصاعد المد القومي في مصر إبَّان الخمسينيات والستينيات حيث نتذكر هنا أفلام هامة منها :  فيلم ” أرض الأبطال ” عام 1953 للمخرج ” نيازي مصطفى ” ، وفيلم ” أرض السلام ” عام 1957 للمخرج ” كمال الشيخ ” ، وفيلم ” بورسعيد ” عام 1957 من تأليف وإخراج ” عز الدين ذو الفقار ” ، وهنا يتضح لنا المنطلقات الفكرية والقومية التي حكمت إنتاج تلك الفترة ، وقد توصِّف على المستوى الفني والنقدي لدى بعض النقاد بالتوظيف السياسي للفن بعد ثورة يوليو 1952 .

 

– في السبعينيات والثمانينيات تأثرت السينما المصرية دون شك بأحداث حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل ، ثم معاهدة كامب ديفيد 1978 ، فشاهدنا الأفلام المشهورة التي تناولت حرب أكتوبر والتمهيد لها بعد نكسة يونيو ، وحرب الإستنزاف ، مثل : فيلم ” أغنية علي الممر ” عام 1972 ، وفيلم ” الرصاصة لا تزال في جيبي ” عام 1974 ، وفيلم ” بدور ” عام  1974، وفيلم ” أبناء الصمت ” عام 1974 ، وفيلم ” الوفاء العظيم ” عام 1974 ، وغيرها …

 

ثم أشار ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

يجب أن نقف هنا مع حالة خاصة جداً وهي أعمال المخرج ” علي عبد الخالق ” .

فالجدير بالذكر … أن المخرج الكبير ” علي عبد الخالق ” هو من أكثر المخرجين في مصر والوطن العربي إنتاجاً للأعمال الفنية التي تحدثت عن الصراع العربي الإسرائيلي وتمثل ذلك في 7 أفلام سينمائية ومسلسل تليفزيوني .

كما كتبت عنه ذات يوم جريدة ” يديعوت أحرونوت ” ( وهي الجريدة الرسمية في إسرائيل ) مقال في الصفحة الأولى بعنوان ” علي عبد الخالق أكثر المخرجين العرب كراهيةً لإسرائيل ” .

عقب تخرج ” علي عبد الخالق ” في المعهد العالي للسينما عام 1966 عمل مساعداً لفترة ثم أتجه إلى إخراج الأفلام التسجيلية ، ومن أشهر هذة الأفلام فيلمه التسجيلي « أنشودة الوداع » الذي حصل على العديد من الجوائز الدولية من مهرجانات الأفلام التسجيلية والقصيرة ومنها الجائزة الثانية من مهرجان « ليبزج » السينمائي بألمانيا ، كما حصل فيلمه « السويس مدينتي » على الجائزة الأولى من مهرجان وزارة الثقافة الأول للأفلام التسجيلية عام 1970 م .

وقدم أول أفلامه الروائية الطويلة عام 1972 بعنوان ( أغنية على الممر ) عن مسرحية بنفس الأسم للأديب (على سالم ) ، وحقق الفيلم نجاحاً فنياً هائلاً ، وحصل على الجائزة الثانية من مهرجان ( كارلو فيفاري )، وجائزة من مهرجان ( طشقند ) السينمائي .

لقد أخرج ” علي عبد الخالق ” في الثمانينيات فيلمين عن عمليات مخابراتية مصرية هما : فيلم ” إعدام ميت ” وفيلم ” بئر الخيانة ” ، ونسب إليه إخراج فيلم ” وبدأت الضربة الجوية ” الذي يتناول أحداث ما قبل حرب أكتوبر والتحضير لحرب السادس من أكتوبر سنة 1973 م .

 

لقد قدم ” علي عبد الخالق ” أشهر الأفلام التي تناولت الصراع العربي الإسرائيلي وأشهرها : فيلم ” إعدام ميت ” عام 1985 ، وفيلم ” بئر الخيانة ” عام 1987 ، وفيلم ” الكافير ” عام 1999 ، وفيلم ” يوم الكرامة ” عام 2004 .

 

ثم إستطرد “ أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

 

– في أوائل التسعينيات تمت معالجة الصراع العربي الإسرائيلي من خلال مجموعة أفلام ” نادية الجندي ” المخابراتية ، وأشهرها : فيلم ” مهمة في تل أبيب ” عام 1992 وفيلم ” 48 ساعة في إسرائيل ” عام 1998 والفيلمين من إخراج ” نادر جلال ” ، ولا ننسى فيلم ” الطريق إلى إيلات ” في عام 1993 للمخرجة ” إنعام محمد علي ” ، كما يجب أن نتذكر هنا أيضاً فيلم ” ناجي العلي ” عام 1992 من بطولة ” نور الشريف ” وإخراج ” عاطف الطيب ” … وبالطبع نلاحظ هنا الملامح الفنية المختلفة لأعمال هذه الفترة .

 

– لقد شهدت نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة تناولاً مختلفاً للصراع العربي الإسرائيلي ، خاصة ً نتيجة إشتعال الإنتفاضة الفلسطينية في ذلك التوقيت ، وإستشهاد الطفل الفلسطيني ” محمد الدرة ” أمام عدسات كاميرات وكالات الأنباء العالمية في 30 سبتمبر عام 2000 في اليوم الثاني من إنتفاضة الأقصى ، حيث ظهر العلم الإسرائيلي مشتعلاً حتى في أفلام كوميدية ، أبرزها بالطبع فيلم ” صعيدي في الجامعة الأميركية ” عام 1998 من بطولة ” محمد هنيدي ” ، الذي قدم ما يشبه الخط المتصل ، كما كان عدوه اللدود في فيلم ” همام في أمستردام ” عام 1999 شاب صهيوني يعيش في هولندا أيضاً ، وظهر مرة أخرى وهو يلقي الحجارة على قوات الإحتلال الإسرائيلي في فيلم ” جاءنا البيان التالي ” عام 2001 ، وإستمر الأمر على المنوال نفسه وصولاً إلى فيلم ” عندليب الدقي ” عام 2007 .

 

وأضاف “ أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

إن البداية الحقيقية للفنان ” محمد هنيدي ” في أعماله الفنية التي لمحت عن الصراع العربي الإسرائيلي جاءت في فيلم ” إسماعيلية رايح جاي ” عام 1997 مع الفنان إبن البلد ” محمد فؤاد ” وهو فيلم يمس فترة هامة من قصة حياته ، حيث أن أكثر المواقف تأثيراً في حياة ” محمد فؤاد ” هي إستشهاد شقيقة الأكبر « إبراهيم » ، وذلك خلال حرب  1967، مما أصاب ” محمد فؤاد ” وعائلته بصدمة كبيرة ، خاصة لأنهم لم يتمكنوا من دفنه ومعرفة المكان الذي يستطيعون زيارته فيه ، نظراً لعدم عودة جثمان الشهيد هو وكثير من شباب مصر ورجالها في هذه الحرب العاتية ، وقد إنعكس ذلك على ” محمد فؤاد ” كثيراً مما جعله لا يحب حتى مجرد ذكر كلمة إسرائيل .

– كما تم رصد الصراع العربي الإسرائيلي خلال تلك الفترة في العديد من الأفلام ، منها : ” أصحاب ولا بيزنس ” عام 2001 من بطولة ” عمرو واكد ” و ” مصطفى قمر ” وإخراج ” علي إدريس ” ، وفيلم ” أسد سيناء ” عام 2016 من إخراج ” حسن السيد ” ، وحتى في الفيلم الكوميدي ” رحلة حب ” عام 2001 من بطولة ” محمد فؤاد ” و ” أحمد حلمي ” ، شاهدنا مظاهرات مدرسية تعاطفاً مع القضية الفلسطينية عقب مقتل ” محمد الدرة ” ، وبالتأكيد شهدت أفلام هذه الفترة تحولاً فنياً ملحوظاً في تناول الصراع العربي الإسرائيلي .

– لقد ترك مقتل ” محمد الدرة ” أثراً أيضاً في فيلم ” السفارة في العمارة ” من بطولة ” عادل إمام ” وإخراج ” عمرو عرفة ” في عام 2006 ، والذي شهدنا فيه مقتل طفل فلسطيني على يد قوات الإحتلال الإسرائيلي … ولا ننسى فيلم ” ولاد العم ” عام 2009 من إخراج ” شريف عرفة ” ، وكذلك فيلمه الشهير فيلم ” الممر ” عام 2019 حيث يعد هذا الفيلم الأعلى إنتاجاً في السينما المصرية حيث تخطت ميزانية الفيلم 100 مليون جنيه مصري … لقد كانت هذه الأفلام فاعلة ومؤثرة في نشر الوعي الجماهيري في مواكبة تطور الصراع العربي الإسرائيلي ، خاصةً على المستوى الشعبي .

 

 

ثم شدد ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

سيظل الصراع العربي الإسرائيلي مستمر في كل مكان سواء في الأرض أو الفكر أو الفن … وبالطبع في السينما أيضاً .

 

أربعة وسبعون عاماً على قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة ، ملايين المهجرين ، مئات الآلاف من المعتقلين ، وعشرات الآلاف من القتلى ، وصراع مستمر بين من يملك الأرض ومن يحكمها بقوة السلاح ، بين العرب جميعـاً وإسرائيل ، قتال في أرض فلسطين ، قتال في سيناء مصر ، جولان سوريا ، وجنوب لبنان .

 

تستمر المعركة بالطبع في كل مكان ، في الأرض ، في الفكر ، في الفن ، وفي السينما أيضاً .

أحمد عبد الصبور
أحمد عبد الصبور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.