قرار منتظري قيود مخففة واحتواء للشارع الإيراني

قرار منتظري قيود مخففة واحتواء للشارع الإيراني

كتبت- دعاء علي

احدثت الاحتجاجات والمظاهرات الأخيرة في الشارع الإيراني فوضى عارمة وذعر وتصدعات منذ سبتمبر الماضي، بسبب مقتل “مهسا اميني” الفتاة الإيرانية على يد شرطة الأخلاق، وبحسب منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، خلفت قتلى مالا يزيد عن 416 شخصا بينهم 51 قاصرا، والتي وصفت بالأكثر دموية منذ احتجاجات 2019، الأمر الذي دعا حجة الإسلام منتظري، الى إلغائها لرأب الصدع الذي كاد أن يفتك بالبلاد.

-احتواء وتهدئة

قال ايهاب عطا صحفي وباحث في علم التأويل والمهتم بالشأن الإيراني وقضايا الشيعة: ما تم الإعلان عنه من جانب المدعي العام الإيراني، حجة الإسلام محمد جعفرمنتظري، من إلغاء شرطة الأخلاق وكان دورها يتركز في مراقبة سلوكيات العامة للمواطنين الإيرانيين، على اختلاف جنسهم سواء رجال أو إناث، في الأماكن العامة لازدحامها، مثل مراكز التسوق وأماكن الترفيه والميادين العامة، ومن يجدوا فيه إخلال بالقواعد والسلوكيات العامة، كان ضرورة لتهدئة الشارع الإيراني.
أشار إلى: الثورة الإسلامية وما تم تطبيقه عقب نجاح الإمام الخميني في مطلع عام 1979، يتم إيقافه في الشارع من خلال سيارات شرطة الأخلاق، واحتجازه في مقر التأهيل، وإذا كانت امرأة سافرة الشعر “ليست ملتزمة بالزي الإسلامي الشرعي” أو الرسمي لديهم، يتم تعليمها كيفية إرتداء الحجاب والتأكيد عليها بضرورة الإلتزام به كسلوك عام في الشارع أو خارج المنزل.

– بداية الاحتجاجات

أكد: قرار منتظري جاء كخطوة أولى للتهدئة واحتواء الشارع الإيراني الثائر، منذ أكثر من شهرين ونصف سبتمبر الماضي، عقب مقتل الفتاة الإيرانية “مهسا اميني” والتي تبلغ من العمر 22 عام، بعد إيقافها من قبل شرطة الأخلاق واحتجازها لعدم التزامها بالزي الرسمي “ارتداء الحجاب”، وتعرضها للتعذيب بحسب ناشطين في حقوق الإنسان، لافتا إلى بعض النشطاء الذين أشاروا إلى القرار أنه بمثابة مخدر ولابد من الاستجابة لجميع مطالب الثائرين والمتظاهرين التي لن تتوقف فقط عند خلع الحجاب وإعطاء الحريات في السلوكيات والزي الذي يجب الالتزام به في الشارع، ولكن يجب منح المزيد من الحريات العامة والسياسية.
وفي الوقت ذاته صرح منتظري، وفقا لما أفادت به وكالات الأنباء الطلابية الايرانية إسنا: أن شرطة الأخلاق ليس لها علاقة بالقضاء وألغاها من أنشأها، لكنه أشار ان هناك توجه عام من البرلمان والسلطة القضائية بمراجعة قانون الحجاب، والذي كان إلزاميا منذ عام 1984.
نوه عطا: إلى أن شرطة الاخلاق سميت بهذا الإسم، وتم استحداثها منذ عام 2005، من قبل كانت دوريات تجوب الشوارع الإيرانية تقوم بنفس الدور تقريبا، ومنها دوريات التوجيه، موضحا أن قضية الحجاب تعتبر رمزا لحرية وتحرر المرأة الإيرانية من القيود على حريتها وسلوكياتها.

– تحليل للمشهد الإيراني

تابع: اذا حللنا المشهد الإيراني في السنوات الأخيرة، خاصة عقب جائحة كورونا، انه حدث إنفتاح وخلال الـ20 عام الأخيرة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وبالرغم من وجود بعض القيود والمحاذير إلى حدما، والتوجيه لمثل هذه المواقع حتى لا تتجاوز قيم الإسلام ولا تفسد الأخلاق والذوق العام للمجتمع الإيراني، لكن جيل الشباب الإيراني وهم وقود المظاهرات الأخيرة مُطلع على الكثير مما يدور من تطورات في الغرب وحتى العرب.
ويفاجأ ان أكثر البلاد تشددا والمعروفة بمذهبها الوهابي كالمملكة العربية السعودية، والتي ادخلت مفاهيم جوهرية في تغييرالسلوكيات العامة، كإقامة الحفلات الغنائية الماجنة حول الحرم المكي، والذي سبقه إلغاء جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من الإجراءات والقرارات التي اتخذها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كتحديث وتطوير للمجتمع السعودي، ناهيك عن موجات التحرر في السلوكيات لبعض الدول خلال الـ50 سنة الماضية، فاصبح الشباب الإيراني يتطلع ويحلم بهذه التطورات داخل بلاده، وذلك لإصابتهم بحالة ملل من القيود المفروضة عليهم.

– تشدد الفكر الشيعي

استطرد: كشفت المظاهرات الأخيرة عن الجمود في الفكر الشيعي وعدم تطوره خلال الـ30 عام الأخيرة، فالثورة الإيرانية عمرها الأن 43 عام، واصفا ال15 عام الاخيرة بالتطورات والاجتهادات غير المسبوقة من قادة الثورة وكان على رأسهم الإمام الخميني، وكانت له بعض الاجتهادات المبهرة وسط تلك القيود، كلعبة الشطرنج والاستماع إلى الموسيقى الغير ماجنة “مثيرة للغرائز”، كما انه أوقف سب الصحابة وأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، والكثير من الأمور المختلف عليها بين السنة والشيعة.
بينما أصدر فتاوى وقرارات وكان يتم التوجيه اليها حتى لو كانت غير مدونة، لأنه لا يحكم بشكل فعلي لوجود شخصيات تتولى منصب رئيس الجمهورية، لكنه ارتضى لنفسه دور المُحكم كما وصفه الكاتب محمد حسنين هيكل، ومرجعية لمؤسسات الدولة إذا اختلفت لانه كان شخصية مُلهَمة ومُلهِمة وفريدة من نوعها في التاريخ الإسلامي الحديث، حيث قاد ثورة هي الأنجح في التاريخ الإسلامي الحديث منذ عهد الأموين، بحسب وصف الدكتور احمد المجدوب الخبير الأممي عالم الاجتماع الراحل.
وأسس الدستور والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو أكمل دساتير الأرض وليس الدستور الامريكي كما يُشاع، لأن الدستور الإيراني اطلع على جميع دساتير الأرض وأضاف إليها بشكل يدعو إلى الإعجاب والإبهار، ولم يصدر عن مراجع الفكر والفقه خلال الـ30 عام الأخيرة، اجتهادات تماثل مستوى الاجتهادات التي خرجت من الإمام الخميني، ولكن الفكر الشيعي أصيب بالجمود الأمر الذي دعا الشارع الإيراني إلى الملل، حد الرغبة في التغييرمن مظاهر الحياة والسلوكيات التي اختُزِلت وتبلورت في الحجاب وحق المرأة في ارتدائه من عدمه.

-قرارات مشابهة

يرى إيهاب عطا: انه ربما تكون هناك قرارات في الفترة القادمة على شاكلة قرار منتظري، لمزيد من التهدئة والاحتواء وما يجب على القيادة الإيرانية في جميع المؤسسات، مزيدا من المراجعة لكثير من القوانين والتعامل مع القضايا الخلافية المؤرقة للشارع الإيراني، فالوضع الاقتصادي بسبب العقوبات الأمريكية على إيران في الشأن النووي، تلقي بظلها على حياة المواطن البسيط، الأمر الذي جعله متململ.
والفترة القادمة سيكون هناك مزيدا من التمسك بالمطالب من جانب الثوار من جيل الشباب تحديدا، حتى يروا تفعيل حقيقي لقرار حل شرطة الأخلاق والالتزام به وليس مجرد تصريحا شفهيا، او بالون اختبار للمتظاهرين للرجوع عن مطالبهم، بالإضافة إلى قرارات البرلمان والسلطة القضائية وهل سيتم مراجعة القانون الخاص الحجاب، وتعديله بما يتوائم مع متطلبات العصر، وإعطاء المزيد من الحرية للمرأة الإيرانية في زييها.

-قيود مخففة

يعتقد عطا، انه سيتم منح الحرية في السلوكيات للمواطن الإيراني، سواء داخل منازلهم أو خارجها واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل موضوعي، بينما يرى ان السلطة الإيرانية لها بعض الحق في توجيه وفرض بعض القيود على استخدام الإنترنت، لان الإفراط في استخدام التيك توك وسناب شات قد يحُض على الفسق والفجور كما نرى في بعض الدول، وحدث في مصر حيث تم القبض على بعض الشباب لارتكابهم افعال فاضحة عبر هذه المنصات، والحكم على بعض الفتيات بأحكام قاسية في بعض القضايا.
فالقيود واجبة ولكن يجب أن تكون مخففة، ويتم توجيهها في اتجاه لا يُكبل يد الشاب الإيراني وانه موصى عليه وليس له الحق في اتخاذ قراراته الشخصية، التي تناسب جيله وظروفه وتتواكب مع المستجدات من حوله، ملمحا أن المطالب الخاصة بالاحتجاجات الأخيرة في إيران لم تتجه إلى الحريات السياسية وحسب، لان التجربة الإيرانية مازالت تُدهش الجميع على المستوى الدولي، كالتجارب البرلمانية والتي يُشهد لها بالنزاهة وأن للمواطن الإيراني كامل الحق والحرية فيمن يمثله، أو اختيار رئيسه المنتخب على مدار العقود الأخيرة، وكانت هناك نماذج تولت رئاسة الجمهورية مثل “أحمدي نجاد الذي سبقه محمد خاتمي.
وتوقعنا آنذاك انه سيتم تزوير الانتخابات أوتوجيه الناخبين لصالح رئيس موالي للنظام الحاكم “النظام الملالي” بحسب وصف الإعلام العربي، ولكن لم تطالب المظاهرات الأخيرة بحريات سياسية فقط، ولكنها تريد حريات عامة في التصرفات والسلوكيات والمظهر الخارجي، وكما ذكرت سابقا في إحدى مقالاتي، ان الفتاة الإيرانية تتوق إلى لحظة خروجها الى الشارع بصحبة “البوي فريند” أو لظهورها عبر منصات التواصل الاجتماعي “التيك توك” وغيرها من التطبيقات، تقليدا لنظيراتها من الفتيات اللائي تؤدين الرقص والحركات الماجنة، والادعاء أن تلك المظاهرات تنفذ اجندات خارجية معادية للدولة الإيرانية صحيحة إلى حدما، ولكنها لا تنفي أن هناك بعض القيود المفروضة على الشباب والفتيات في إيران، والتي يجب تخفيفها إن لم يكن إلغائها.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.