غزوة بدر الكبرى…”يوم الفرقان ” بقلم/سلوى الشامي

غزوة بدر الكبرى … “يوم الفرقان “

بقلم / سلوى عبد الستار الشامي

غزوة بدر تحتل مكانة جليلة في قلوب المسلمين ، والتي تعد أول معارك المسلمين ضد المشركين ، هي غزوة وقعت في السابع عشر من شهر رمضان في العام الثاني من الهجرة الموافق ١٣ مارس ٦٢٤ م .
عاملت قريش المسلمين معاملة قاسية فأذن الله للمسامين بالهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ، لكن قريش إستمرت في مصادرة أموال المسلمين ، فلما كان في رمضان بلغ رسول الله صل الله عليه وسلم خبر القافلة التجارية المقبلة من الشام مع أبي سفيان فيها أموال قريش ، فقرر أن يعاملهم بالمثل فخرج إليها مسرعاً في ثلاثمائة وبضعة عشرة رجلاً ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود ، وكان معهم سبعون بعيراً يعتقب الرجلان والثلاثة على بعير ، واستخلف على المدينة عبدالله بن أم كلثوم .
فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة بن عبد المنذر واستعمله على المدينة ، وأيضاً دفع اللواء إلى مصعب بن عمير ، والراية إلى علي ، وراية الأنصار إلى سعد بن معاذ ، ولما قرب الرسول صل الله عليه وسلم من الصفراء بعث بسبس بن عمرو ، وعدي بن أبي الزغباء يتجسسان أخبار القافلة .
وبلغ أبا سفيان مخرج رسول الله صل الله عليه وسلم فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري وبعثه إلى مكة مستصرخاً قريشاً بالنفير إلى قافلتهم فنهضوا مسرعين ، ولم يتخلف من أشرافهم سوى أبى لهب فانه عوض عنه رجلاً ، وحشدوا فيمن حولهم من قبائل العرب ، ولم يتخلف عنهم من بطون قريش إلا بني عدي فلم يشهدها منهم أحد وخرجوا من ديارهم كما قال الله تعالى ” بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله ” ، فجمعهم على غير ميعاد كما قال الله تعالى ” ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ” .
ولما بلغ رسول الله صل الله عليه وسلم خروج قريش استشار أصحابه فتكلم المهاجرون فأحسنوا ،ثم استشارهم ثانياً فتكلم المهاجرون ثم ثالثاً ، فعلمت الأنصار أن رسول الله صل الله عليه وسلم إنما يعنيهم ، فقال سعد بن معاذ كأنك تعرض بنا يا رسول الله صل الله عليه وسلم ، _وكان إنما يعنيهم لأنهم بايعوه على أن يمنعوه في ديارهم _ وكأنك تخشى أن تكون الأنصار ترى عليهم أن لا ينصروك إلا في ديارهم ، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم ، فامض بنا حيث شئت ، وصل حبل من شئت ، واقطع حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا منها ما شئت ، وما اخذت منها كان أحب إلينا مما تركت فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك .
وقال المقداد بن الأسود إذن لا نقول كما قال قوم موسى لموسى ” فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ” ، ولكن نقاتل من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك ، فأشرق وجه رسول الله صل الله عليه وسلم بما سمع منهم ، وقال سيروا وأبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين وإني قد رأيت مصارع القوم .
وكره بعض الصحابة لقاء النفير _ أي الخروج للجهاد _ وقالوا لم نستعد لهم فذلك قول الله تعالى ” كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون . يجادلونك في الحق بعد ما تبين ” لشركائهم _ إلى قوله تعالى _ ” ولو كره المجرمون ” .
وسار رسول الله صل الله عليه وسلم إلى بدر وخفض أبو سفيان فلحق بساحل البحر ، وكتب إلى قريش أن ارجعوا فإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم فأتاهم الخبر ، فهموا بالرجوع فقال أبو جهل والله لا نرجع حتى نقدم بدراً فنقيم بها نطعم من حضرنا ونسقي الخمر ونعزف علينا القيان _ مفرد قينة أي الجارية المغنية _ وتسمع بنا العرب فلا تزال تخافنا .
فأشار الأحسن بن شريق عليهم بالرجوع فلم يفعلوا ، فرجع هو وبنو زهرة ، فلم يزل الأحسن في بني زهرة مطاعاً بعدها .
وأراد بنو هاشم الرجوع فقال أبو جهل لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع فساروا إلا طالب بن أبي طالب فرجع .
وسار رسول الله صل الله عليه وسلم حتى نزل على ماء أدنى مياه بدر فقال الحباب بن المنذر ” إن رأيت أن نسير إلى قلب _أي البئر القديمة _ ، قد عرفناها كثيرة الماء عذبة فتنزل عليها ونغور ما سواها من المياه ؟ وأنزل الله تلك الليلة مطراً ، وثبت الأقدام ، وربط على قلوبهم ، ومشى رسول الله صل الله عليه وسلم في موضع المعركة وجعل يشير بيديه ويقول هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان إن شاء الله ، فما تعدى أحد منهم موضع إشارته صل الله عليه وسلم ، فلما طلع المشركون قال رسول الله صل الله عليه وسلم ” اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها جاءت تحادك وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني ، اللهم أحنهم الغداة ” وقام ورفع يديه واستنصر ربه وبالغ في التضرع ورفع يديه حتى سقط ردائه ، وقال ” اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لن نعبد في الأرض بعد “
قالتزمه أبو بكر الصديق من ورائه وقال حسبك مناشدتك ربك يا رسول الله صل الله عليه وسلم ، أبشر فوالله نفسي بيده لينجزن الله لك ما وعدك ، واستنصر المسلمون الله واستغاثوه ، فأوحى الله إلى الملائكة : ” أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ” وأوحى الله إلى رسوله : ” أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ” بكسر الدال وفتحها ، قيل إردافاً لكم ، وقيل يردف بعضكم بعضا لم يأتوا دفعة واحدة .
فلما أصبحوا أقبلت قريش في كتائبها ، وقلل الله المسلمين في أعينهم ، وقلل الله المشركين أيضاً في أعين المسلمين ليقضى الله أمراً كان مفعولاً .
وأمر أبو جهل عامر بن الحضرمي _ أخا عمرو بن الحضرمي _ أن يطلب دم أخيه ، فصاح ، وصرخ واعمراه واعمراه فحمى القوم ونشبت الحرب .
وعدل الرسول صل الله عليه وسلم الصفوف ثم انصرف وغفا غفوة ، وأخذ المسلمين النعاس ، وأبو بكر الصديق مع الرسول صل الله عليه وسلم يحرسه ، وعنده سعد بن معاذ وجماعة من الأنصار على باب العريش ، فخرج الرسول صل الله عليه وسلم يثب في الدرع ويتلو هذه الآية ” سيهزم الجمع ويولون الدبر ” .
ومنح الله المسلمين أكتاف المشركين فتناولوهم قتلاً وأسراً فقتلوا سبعين وأسروا سبعين .
ولما عزمت قريش على الخروج وذكروا مابينهم وبين بني كنانة من الحرب ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك فقال : ” لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ” فلما تعبئوا للقتال ورأي الملائكة فى ونكص على عقبيه فقالوا : إلى أين يا سراقة ؟ فقال :” إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ” .
وظن المنافقون ومن في قلبه مرض أن الغلبة بالكثرة فقالوا :” غر هؤلاء دينهم ” فأخبر الله سبحانه وتعالى أن النصر إنما هو بالتوكل على الله وحده ، ولما دنا العدو قام الرسول صل الله عليه وسلم فوعظ الناس وذكرهم بما لهم في الصبر والثبات من النصر وأن الله قد أوجب الجنة لمن يستشهد في سبيل الله .
فأخرج عمير بن الحمام بن الجموح ثمرات من قرنه يأكلهن ، ثم قال : لئن حييت حتى آكل ثمراتي هذه إنها لحياة طويلة فرمى بهن وقاتل حتى قتل فكان أول قتيل .
وأخذ رسول الله صل الله عليه وسلم ملء كفه تراباً فرمى به في وجوه القوم ، فلم تترك رجلاً منهم إلا ملأت عينيه ، فذلك قول الله تعالى :” وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى “
انتهت غزوة بدر بانتصار المسلمين حيث عم الفرح جميع قلوب المسلمين ، وضربت هذه الغزوة أروع الأمثلة في الإيمان بأن النصر من عند الله والحرص على تقوى الله .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.