زمن النميمة العلنية… وموت الضمير على السوشيال ميديا.

 

يعيش مجتمعنا اليوم تحوّلًا وحشيًا على منصات التواصل الأجتماعي، إلى ما يشبه أكبر جلسة نميمة جماعيّة لم تُشهد في أي زمن مضى ، ففي لحظة واحدة، تتحول أخبار الوفاة أو الطلاق أو حتى الخلافات الشخصية إلى مسرح مفتوح للسخرية والتشهير والأنتقاد، من دون أي رادع أخلاقي أو انساني، جلسة نميمة كبرى، يُمارس فيها الخوض في الأعراض والتلذّذ بسقوط الآخرين كما لو كان عرضًا ترفيهيًا على التريند.

كتبت: زينب النجار

أين صوت الوعي والحق

لم يعد هناك حدود ولا خجل ولا ضمير، وكأن إنسانية الناس تُختبر كل يوم أمام “بوست” أو “فيديو” أو “خبر عاجل” لا يراعي حرمة ميتٍ ولا كرامة حيّ ،وما يزيد الطين بلة، هو تورّط بعض المؤسسات الصحفية المشبوهة في تأجيج هذه المهازل بدلاً من التصدي لها، والتي من المفترض أن تكون صوت الحق والوعي، صارت شريكة في هذه المهازل، تنشر صور الحزن وتُذيع الخصوصيات، وتتنافس في تصوير الدموع بدلًا من احترامها.

بينما تحولت بعض الصفحات إلى منصات للتشهير، تتغذى على الألم وتقتات على الفضائح، في زمن صارت فيه الأخلاق مادةً قابلةً للنشر والحذف حسب عدد الإعجابات والمشاهدات.
على هذه المنصات نجد مشاهد يومية تعتبر فيها حياة الآخرين عرضًا للتنكيل والسبّ، ولعلّ أشهر ضحايا هذه الظاهرة هن النساء، سواء كن من المشهورات أو غير المشهورات، إذ تتحول أخبار حياتهن الشخصية إلى مادة دسمة للنميمة، والإساءة، وخوض الأعراض بسوء نية، وكأننا دخلنا عصرًا جديدًا من الغوغائية الإجتماعية. فهل هذا هو المستقبل الذي ننشده؟ وهل أصبحنا في زمن مخيف لا يحترم الخصوصية ولا يراعِي إنسانية الآخرين؟

ضمير جماهير صامتة

ومع كل هذا الهراء المرير، أين ضمير تلك الجماهير الصامتة، وأين هي دموع الرحمة التي دعا إليها ديننا الحنيف؟
أي دين يمكن أن يبارك هذا الانحدار الأخلاقي؟ أين التواضع والحياء والأحترام التي جاءت بها الأديان جميعها؟

إنه أمر يبعث على الأسى أن نتحول إلى أدوات نشر الفضائح والتشهير بدلًا من أن نكون دعاة للمحبة والتسامح.

نحن بحاجة إلى وقفة جادة وصرخة مدوّية ضد هذا السقوط الأخلاقي الجماعي يجب أن نُعيد الاعتبار للكرامة الإنسانية ولأسس مجتمعنا القيمي والديني ، فالحديث عن الآخرين في ظهرهم، والنيل من أعراضهم تحت ستار الفضول أو الصحافة الجارحة، ليس مجرد جريمة إجتماعية فحسب، بل هو جريمة أخلاقية وإنسانية تعكس الوجه القبيح الذي وصلنا إليه.
فلنحذر جميعًا من هذا الانزلاق السريع نحو مجتمع بلا رحمة، مجتمع يكرّس التنمر الإلكتروني والتشهير الممنهج. فلنعلم أن للحديث السيء عواقب قاسية، وأن مسؤوليتنا أكبر من مجرد متابعة قصص الآخرين كشاهد على ضعف الضمائر وانحطاط القيم.

إذا أردنا أن نستعيد مجتمعنا، فلا بد أن نُغلّب صوت العقل على ضجيج النميمة، ونرفع قيم الأحترام والرحمة فوق كل اعتبار. وإلا فإننا لا نكون سوى أمة ضائعة في بحر من الشائعات والتجريح، غارقة في وحل القبح الأخلاقي الذي نحن من صنعه بأيدينا.

هل نحن فعلاً بهذا السوء؟ وهل نحن على استعداد لنترك لأجيال المستقبل هذا الإرث الثقافي المخيف؟

الأمر عاجل، والقضية أخلاقية، ويجب أن تتحرك الضمائر والقلوب قبل أن يغدو مجتمعنا معلقاً في شبكة من الظلام والنميمة، فكفّوا ألسنتكم عن الناس، فـ”الكلمة” قد تقتل معنويًا قبل أن تُكتب رسميًا، واتقوا الله في ما تكتبون وتنشرون،
فما أسهل أن تكون سببًا في وجعٍ، وما أصعب أن تتحمل وزره أمام خالقك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.