الهوية البصرية للمدن المصرية: ركيزة للتنمية والترويج السياحي
الهوية البصرية للمدن المصرية تابع تفاصيل الخبر على أخبار مصر.
كتب باهر رجب
الهوية البصرية للمدن المصرية
تمتلك كل مدينة مصرية طبقات متراكمة من التاريخ والعمران والفنون تشكل «هوية بصرية» مميزة تقرأ من خلال العمارة، ألوان الواجهات، الرموز الشعبية، والخطوط المستخدمة على اللافتات. وتزداد أهمية هذه الهوية اليوم مع تنامى الحاجة إلى ترويج المدن سياحيا وثقافيا واستثماريا. يعرض هذا التقرير الإطار المفاهيمي للهوية البصرية، ثم يرصد-على سبيل الانتقاء-كيف تتجلى في أربع بيئات عمرانية: القاهرة، الإسكندرية، مدن الجنوب (الأقصر-أسوان)، والمدن الجديدة.
أولا: مفهوم الهوية البصرية الحضرية
المحتوى:
عناصر معمارية (أنماط البناء، نسب الكتلة والفراغ)
منظومة ألوان مهيمنة (المواد المحلية، الطلاء، الإضاءة ليلا)
رموز وثقافة بصرية (زخارف، خط عربي، تماثيل، شعارات رسمية)
فراغات عامة وسلوك حركة (ميادين، كورنيش، أسواق)، وما يواكبها من أثاث حضري وإشارات.
الوظيفة:
تصنع ذاكرة جماعية، وتمنح المدينة قدرة تنافسية، وتضبط عملية التطوير العمراني حتى لا تفقد خصائصها الأصيلة.
ثانيا: القاهرة – هوية كوزموبوليتية متعددة الطبقات
الحقبة السمات البصرية السائدة أمثلة بارزة
الإسلامية (الفاطمية-المملوكية) مآذن وقباب حجرية، مدخل منكسر، مشربيات خشبية مسجد السلطان حسن والقلعة
الخديوية (1867–1952) واجهات «أرت ديكو» و«نيوباروك»، شرفات حديد مشغول، محلات بطراز باريسى عمارة بهلر بميدان طلعت حرب
المعاصرة أبراج زجاجية، واجهات مركبة الألواح المعدنية، إضاءة وسائطية أبراج منطقة «المثلث» بالعاصمة الإدارية
تفقد القاهرة جزءا من إرثها نتيجة إزالة مباني تاريخية أو تغيير نشاطها، ما يهدد تماسك الهوية الإسلامية-الكولونيالية للمدينة.
جهود الترميم محدودة؛ غير أن مبادرات مثل «بيت المعمار المصرى» تحاول إعادة ربط المعماريين بمصادر التنوع التاريخي للمدينة.
ثالثا: الإسكندرية – هوية متوسطية بين الكلاسيكية والحداثة
الواجهة البحرية الممتدة على الكورنيش تتلون بدرجات الأزرق والأبيض، وتعكس عمارات النصف الأول من القرن العشرين ذات الشرفات الحديدية والبلاط الملون.
مكتبة الإسكندرية (2002) أعادت إنتاج الخط الهيروغليفى على واجهة الغرانيت كعلامة معاصرة لهوية المدينة العالمية.
تشكل الأنشطة المينائية والأسواق الشعبية خلف الكورنيش طبقة اجتماعية-بصرية مغايرة تكسب المكان حيوية وهوية إنسانية.
رابعا: الأقصر وأسوان – هوية فرعونية على ضفتي النيل
مكون بصري تجلياته
الحجر الرملى والجرانيت معبد الكرنك وبهو الأعمدة 134 عمودا؛ تماثيل ممنون بالأقصر
المحاور الطقسية طريق الكباش (2700 م) يربط الكرنك بمعبد الأقصر
الأيقونية الضوئية ظاهرة تعامد الشمس على قدس الأقداس بمعبد أبو سمبل مرتين سنويا
الألوان تدرجات الرمل الذهبي مع الأزرق النيلي يكونان لوحة المدينة الطبيعية
الهوية هنا أحادية المرجع (فرعونية) ما يسهل استدعاؤها فى المنتجات البصرية، لكنها تتطلب صيانة واعية حتى لا تتحول إلى «مشهدية سياحية» بلا بعد حضارى.
خامسا: المدن الجديدة – بحث عن هوية مستقبلية
العلمين الجديدة، العاصمة الإدارية، والمنصورة الجديدة تعتمد واجهات زجاجية وأبراج شاهقة وشعارات تصميمية موحدة؛ هوية بصرية «دولية» لم تتبلور بعد سماتها المحلية. التحدى هو دمج الرموز المصرية (خط عربى، وحدات زخرفية) بشكل معاصر لا ينتهى إلى زخرفة سطحية.
سادسا: التحديات والتوصيات
تكدس أنماط متنافرة فى المدينة الواحدة بدون دليل تصميم حضرى واضح.
فقدان مباني تراثية نتيجة الاستثمار العقارى السريع، كما حدث فى وسط القاهرة.
ندرة برامج العلامة التجارية للمدن (City Branding) على أسس علمية تربط التراث بالاقتصاد الإبداعى.
التوصيات:
إعداد «أدلة هوية بصرية» لكل مدينة تلزم المشروعات الجديدة بمحددات اللون والخط والزخرفة واللافتات.
كذلك تفعيل حصر رقمى ثلاثى الأبعاد للمبانى القيمة؛ وربط منح تراخيص الهدم بالبديل التصميمى المقبول.
إدماج مفردات الفنون الإسلامية و الفرعونية بطريقة وظيفية فى الأثاث الحضرى واللافتات، وفق معايير البحث التصميمى المعاصر.
علاوة على ذلك ربط الهوية البصرية بالأنشطة الاقتصادية (سياحة، حرف تراثية، مسارات مشى) لتعزيز اقتصاد المكان.
هوية المدن المصرية ليست مجرد آثار مصونة، بل سردية حية تتجدد طالما احترمت طبقاتها التاريخية و تكاملت مع احتياجات الحاضر. الحفاظ على هذا الاتزان
مفتاح لاستدامة جاذبية مصر البصرية فى عيون سكانها وزائريها.