العلاقات القدرية بين علم النفس والفلسفة الروحية
كتب باهر رجب
أنماط التعلق والعلاقات القدرية: كيف ترسم طفولتنا و خياراتنا خريطة الحب؟
المقدمة
الأبحاث تظهر أن أسلوب التعلق الذي يتشكل في السنوات الخمس الأولى يظل يؤثر في صداقاتنا و زيجاتنا حتى الشيخوخة، وأن هذا الأسلوب قد يدفعنا – من حيث لا نشعر – إلى الوقوع في علاقات «كارمية» مضطربة أو «قدرية» هادئة تعدها الثقافة الشعبية هبة من السماء. فهم الأسلوب والعلاقة معا هو المفتاح لتقليل الألم العاطفي وبناء روابط أكثر أمانا تابع التقرير على أخبار مصر.
أولا: جذور نظرية التعلق
– بدأ جون بولبي بوصف «التعلق» سنة 1958 ثم أكمل ثلاثيته «التعلق والخسارة» (1969-1982) التي أكدت أن الطفل يحتاج «قاعدة امنة» ليتجرأ على استكشاف العالم.
– طورت ماري آينسورث منهج «الغريب الغائب» وحددت 3 أنماط لدى الرضع: الامن، القلق–المقاوم، المتجنب؛ و أضاف باحثون لاحقا النمط الرابع «غير المنظم».
– في أواخر الثمانينيات انتقلت النظرية إلى علاقات البالغين فأثبتت دراسات تالية أن الأشخاص يحتفظون بنمط تعلق شبه ثابت يمنحهم «عدسة» يرون بها الشريك.
جدول(1)أنماط التعلق لدى البالغين وأبرز خصائصها
دراستان عربيتان دعمتا هذه الصورة:
– لدى طلاب ثانويين ببريدة ظهر التعلق الآمن و القلق أعلى تكرارا.
– عند أطفال روضة في عمان كان النمط الآمن مرتبطا بارتفاع الذكاء الاجتماعي بينما ارتبطت الأنماط غير الآمنة بانخفاضه.
ثانيا: من الأسلوب إلى المصير: ما هي العلاقة الكارمية؟
الكارما في الفلسفة الهندوسية/البوذية قانون السبب والنتيجة؛ تصدر شعبيا على أنّها «دفتر حسابات روحي» يستوجب تسديد الديون العاطفية. ومن هنا ولد تعبير العلاقة الكارمية:
1. انجذاب مغناطيسي فوري يوحي «بحب من النظرة الأولى».
2. دورة متكررة من الشغف ثمّ الصراع والانفصال فالعودة.
3. هدفها الأساسي تعلم درس أو إنهاء ملف قديم، لا الاستمرار الدائم.
ثالثا:
العلاقات القدرية في المخيال العربي
في الكتابات العربية الحديثة توصف العلاقة القدرية بأنها رابطة موهوبة بعناية إلهية؛ يحميها «القدر» وترى علاماتها في رؤى وأحلام أو «توافق الأرواح». تختلف عن الكارمية في أنّها:
– أقل اضطرابا،
– يتوقع أن تنتهي بالزواج أو استمرار الصداقة،
– تعد تعويضا بعد معاناة طويلة.
جدول(2)مقارنة مركزة بين ثلاثة أنواع شائعة في الإعلام
رابعا: كيف يتشابك نمط التعلق مع العلاقات القدرية/الكارمية؟
1. التعلق القلق يميل إلى قراءة الانجذاب الكارمي «قدرا» فيتعلق رغم الإشارات الحمراء، رافعا احتمال الوقوع في دورة الألم.
2. المتجنب قد يفسر العلاقة الكارمية تهديدا لحدوده فيهرب قبل أن يتعلم الدرس، فتتكرر التجربة مع شخص آخر.
3. أصحاب النمط الآمن يملكون قدرة أعلى على التمييز بين الشغف العابر والارتباط الصحي، فيخرجون سريعا من علاقة مؤذية.
دراسة سعودية على مراهقين أظهرت أن التعلق المضطرب يرتبط بأعراض «الثالوث المظلم» للشخصية (النرجسية، الميكيافيلية، السيكوباتية)، وهي سمات تزيد تأزم أي علاقة كارمية.
خامسا: دلائل تحذيرية ونصائح عملية
سادسا: الخروج من الدائرة
1. الوعي بالنمط الشخصي عبر اختبارات التعلق أو جلسات العلاج المعرفي السلوكي يخفض الانجذاب للعلاقات المؤذية.
2. كتابة يومية المشاعر تكشف التكرار الدوري و تسهل اتخاذ قرار الفصل.
3. التأمل وتمارين التنفس تقلل تهيج الجهاز العصبي لدى أصحاب النمط القلق فيمنحهم وقتا للتفكير قبل الاندفاع.
4. طلب الإرشاد الروحي أو النفسي يساعد على فهم الرسالة الكارمية دون البقاء في الألم؛ وقد نوهت مقالات عربية بضرورة «فك التعلق» والشعور بالاكتفاء الذاتي قبل الدخول في علاقة جديدة.
خاتمة
معرفة أنماط التعلق توفر خريطة داخلية، ومعرفة طبيعة العلاقة توفر خريطة خارجية. حين تتقاطع الخريطتان بوعي، يمكن للفرد أن يميز بين شغف عابر ودعوة قدرية حقيقية، وأن يرى العلاقات الكارمية كفصول تعليم لا كسجون أبدية. في زمن يمتلئ بمحتوى «التوأم» و«القدر»، يبقى التوازن بين القلب والعقل أعظم ضمانة لحب لا يلتهم صاحبه بل يحرره.