الشخصية النرجسية في العلاقات: من الإغواء إلى الاستنزاف
كتب باهر رجب

دليل شامل لفهم الشخصية النرجسية في العلاقات:

الزوج والحبيب
تعد الشخصية النرجسية من أكثر الشخصيات تعقيدا وإرباكا في العلاقات الإنسانية، خاصة عندما يتعلق الأمر بشريك الحياة، سواء كان زوجا أو حبيبا. يتسم الشخص النرجسي بشعور متضخم بأهمية الذات، وحاجة ماسة إلى الإعجاب، مع افتقار واضح للتعاطف مع الآخرين. هذا الدليل الشامل يغوص في أعماق هذه الشخصية، موضحا ماهيتها، وكيفية تأثيرها على العلاقات الزوجية والعاطفية، وعلاقتها بالأقارب، مع تقديم استراتيجيات للتعامل والعلاج تابع التقرير على أخبار مصر.
ماهية اضطراب الشخصية النرجسية
اضطراب الشخصية النرجسية (Narcissistic Personality Disorder – NPD) هو حالة صحية عقلية تتميز بنمط طويل الأمد من الشعور المبالغ فيه بأهمية الذات (العظمة)، والحاجة العميقة للإعجاب المفرط، و الافتقار إلى التعاطف مع مشاعر الآخرين. وخلف هذا القناع من الثقة المفرطة، تكمن نفس هشة للغاية عرضة لأدنى انتقاد.
الوصف والتشخيص:
كيف تتعرف على النرجسي؟
لا يمكن تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية بشكل قاطع إلا من قبل متخصص في الصحة النفسية. ومع ذلك، هناك مجموعة من السمات والعلامات التي قد تشير إلى وجود هذه الشخصية، سواء في الزوج أو الحبيب:
في بداية العلاقة (مرحلة الإغواء):
ساحر وجذاب:
يظهر براعة فائقة في جذب الانتباه والإعجاب. يكون الحبيب النرجسي في البداية مثاليا، يغمر شريكته بالاهتمام والهدايا والوعود (قصف الحب – Love Bombing).
يتحدث عن نفسه بإسهاب:
يركز الحديث دائما حول إنجازاته ومواهبه الفريدة، وقد يبالغ فيها.
يبدو واثقا من نفسه بشكل لافت:
هذه الثقة قد تكون جذابة في البداية، لكنها تخفي ورائها غطرسة و شعورا بالتفوق.

مع مرور الوقت في العلاقة (الزوج أو الحبيب المستقر):
الشعور بالاستحقاق والعظمة:
يعتقد أنه يستحق الأفضل دائما ويجب أن تلبي احتياجاته ورغباته فورا. يرى نفسه متفوقا على زوجته أو حبيبته.
الحاجة المستمرة للإعجاب والمديح:
يتغذى على الإطراء ويغضب إذا لم يحصل عليه. يريد أن يكون مركز الاهتمام في كل وقت.
انعدام التعاطف:
يجد صعوبة بالغة في فهم مشاعر زوجته أو حبيبته أو تقديرها. قد يسخر من مشاعرها أو يتجاهلها تماما.
استغلالي و متلاعب:
يستخدم الآخرين لتحقيق أهدافه دون الشعور بالذنب. قد يتلاعب بمشاعر شريكته لجعلها تشعر بالذنب أو بالتقصير.
حساس جدا للنقد:
يتفاعل بغضب شديد أو ببرود تام عند تعرضه لأي نقد، حتى لو كان بناء.
الغيرة الشديدة:
يغار من نجاح الآخرين، بما في ذلك نجاح زوجته، وقد يحاول التقليل من شأن إنجازاتها.
صعوبة في الحفاظ على علاقات طويلة الأمد:
غالبا ما تكون علاقاته سطحية و مضطربة، سواء مع الأصدقاء أو أفراد العائلة.
لوم الآخرين:
لا يعترف بأخطائه أبدا ويلقي باللوم على زوجته أو الظروف.

الزوج النرجسي وعلاقته بزوجته
تتحول العلاقة الزوجية مع رجل نرجسي إلى ساحة من الاستنزاف العاطفي للزوجة. يسعى الزوج النرجسي إلى السيطرة الكاملة على العلاقة، مستخدمًا تكتيكات متنوعة:
العزل:
يعمل على عزل زوجته عن صديقاتها وعائلتها ليضمن سيطرته الكاملة عليها.
الإساءة العاطفية و اللفظية:
يستخدم النقد المستمر، والتقليل من شأنها، والسخرية، والصراخ لإضعاف ثقتها بنفسها.
التلاعب بالعقل (Gaslighting):
يشككها في سلامة عقلها وذاكرتها، بجعلها تعتقد أن ما تتذكره لم يحدث أو أنها تبالغ في ردود أفعالها.
الصمت العقابي:
يستخدم الصمت والتجاهل كأسلوب لمعاقبتها عندما لا تلبى رغباته.
الخيانة الزوجية:
قد يكون أكثر عرضة للخيانة لأنه يبحث باستمرار عن مصادر جديدة للإعجاب والتقدير.
تأثيره على الزوجة:
تعاني الزوجة من القلق، والاكتئاب، والشعور بالوحدة، وفقدان الهوية، وتدني احترام الذات. قد تشعر بأنها تسير على قشر بيض باستمرار لتجنب إثارة غضبه.
الحبيب النرجسي وعلاقته مع حبيبته
لا يختلف الحبيب النرجسي كثيرا عن الزوج النرجسي، لكن الديناميكية قد تكون أقل رسوخا. تبدأ العلاقة عادة بـ “قصف الحب” الشديد و المبهر، حيث تشعر الحبيبة بأنها وجدت فارس أحلامها. ولكن سرعان ما يبدأ القناع في السقوط:
الغموض وعدم الالتزام:
قد يماطل في تحديد طبيعة العلاقة أو الالتزام بها بشكل جدي، ليبقي خياراته مفتوحة.
الاختفاء والظهور المفاجئ:
يختفي لأيام ثم يعود و كأن شيئا لم يكن، مما يترك حبيبته في حالة من القلق والارتباك.
مقارنات مستمرة:
قد يقارنها بحبيباته السابقات (إما ليمدحها بشكل مبالغ فيه في البداية، أو لينتقدها لاحقا).
علاقة النرجسي مع أقاربه
علاقة النرجسي بأقاربه (والديه، إخوته) غالبا ما تكون معقدة وتخدم مصالحه.
استغلال الأقارب:
قد يستغلهم ماديا أو عاطفيا، ويظهر أمامهم بصورة الضحية أو البطل حسب ما يخدم هدفه.
خلق التحالفات:
يميل إلى خلق انقسامات بين أفراد العائلة (التثليث – Triangulation)، حيث ينقل الأحاديث ويشوه الحقائق ليضمن ولاء البعض ويثير غيرة البعض الآخر.
الصورة العامة:
يحرص بشدة على صورته أمام العائلة والمجتمع، وقد يتصرف بشكل مثالي في التجمعات العائلية، بينما يعامل شريكته بشكل سيء في الخفاء.
الأب النرجسي:
يكون أبا متسلطا، يرى أبناءه امتدادا له و لإنجازاته، وقد لا يقدم لهم الدعم العاطفي الحقيقي.
الأهداف والاستراتيجيات التي يتبعها النرجسي
الهدف الأساسي للنرجسي هو “الإمداد النرجسي” (Narcissistic Supply)، وهو أي شيء يغذي غروره و يشعره بالأهمية (المديح، الإعجاب، الخوف، السيطرة). استراتيجياته لتحقيق ذلك تشمل:
قصف الحب:
لجذب الضحية و إيقاعها في شباكه.
التقليل من الشأن (Devaluation):
لإضعاف الضحية والسيطرة عليها.
التجاهل و الإقصاء (Discard):
عندما لا تعد الضحية مصدرا كافيا للإمداد، قد يتجاهلها تماما أو ينهي العلاقة بقسوة.
“الهوفرينغ” (Hoovering):
محاولة إعادة الضحية إلى العلاقة بعد انتهائها لضمان استمرار الإمداد.
الإيجابيات والسلبيات (من منظور الضحية)
الإيجابيات (غالبا ما تكون وهمية و مؤقتة):
البداية المثيرة:
الشعور بالتميز والسعادة الغامرة في مرحلة قصف الحب.
الكاريزما:
قد يكون شريكا جذابا اجتماعيا و ناجحا في عمله، مما يمنح شعورا بالفخر في البداية.
السلبيات
(وهي الأعمق والأكثر ديمومة):
الاستنزاف العاطفي والنفسي:
الشعور الدائم بالقلق والتوتر.
فقدان الثقة بالنفس:
تبدأ الضحية في الشك في قدراتها وقيمتها.
العزلة الاجتماعية:
فقدان الأصدقاء والعلاقات الداعمة.
مشاكل صحية:
قد تظهر أعراض جسدية نتيجة للضغط النفسي المستمر.
صدمة نفسية:
قد تعاني الضحية من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) بعد انتهاء العلاقة.

المعوقات والحلول
المعوقات:
صعوبة الاعتراف:
قد تجد الزوجة أو الحبيبة صعوبة في الاعتراف بأن شريكها نرجسي، بسبب الحب أو التعلق أو الخوف.
التلاعب:
النرجسي بارع في التلاعب وجعل شريكته تشعر بأنها هي المخطئة.
الخوف من التغيير:
الخوف من الوحدة، أو من ردة فعل النرجسي عند محاولة إنهاء العلاقة.
الأبناء:
وجود أطفال يجعل قرار الانفصال أكثر تعقيدا.
رفض النرجسي للعلاج:
غالبا ما يرفض النرجسي الاعتراف بمشكلته أو السعي للعلاج.
الحلول واستراتيجيات التعامل:
التثقيف والمعرفة:
الخطوة الأولى هي فهم طبيعة اضطراب الشخصية النرجسية. هذه المعرفة تساعد على عدم أخذ سلوكياته على محمل شخصي.
وضع حدود واضحة و حازمة:
يجب أن تقرري ما هو السلوك المقبول وما هو غير المقبول، وأن تكوني حازمة في تطبيق هذه الحدود. (مثال: “لن أكمل هذا النقاش وأنت تصرخ”).
بناء شبكة دعم:
أعيدي التواصل مع الأصدقاء والعائلة الذين تثقين بهم. وجود نظام دعم خارجي ضروري جدا.
التركيز على الرعاية الذاتية:
اهتمي بصحتك النفسية والجسدية. مارسي الهوايات التي تحبينها وقومي بأنشطة تعزز ثقتك بنفسك.
تجنب المواجهة المباشرة:
لا تحاولي “فضح” نرجسيته أو إجباره على الاعتراف. ركزي على سلوكياته المحددة وتأثيرها عليكِ.
التواصل بأسلوب “الحجر الرمادي” (Gray Rock):
عند الضرورة، تعاملي معه بأسلوب هادئ وممل وغير عاطفي، فلا تقدمي له أي ردود فعل قوية (إيجابية أو سلبية) يتغذى عليها.
طلب المساعدة المتخصصة:
استشارة معالج نفسي يمكن أن تساعدك على فهم الديناميكية، وبناء استراتيجيات للتعامل، واتخاذ قرار بشأن مستقبلك سواء بالبقاء أو الرحيل.

العلاج
علاج الشخص النرجسي:
علاج اضطراب الشخصية النرجسية صعب جدا، لأن الشخص نفسه لا يرى أن لديه مشكلة. ومع ذلك، إذا سعى للعلاج (غالبا بسبب مشاكل أخرى كالاكتئاب)، فإن العلاج النفسي طويل الأمد
(العلاج بالكلام) يمكن أن يساعده على:
فهم مشاعره والتحكم فيها.
تطوير قدر من التعاطف.
بناء علاقات صحية أكثر واقعية.
علاج الشريكة (الضحية):
العلاج النفسي ضروري جدا للزوجة أو الحبيبة للتعافي من آثار العلاقة. يساعدها على:
استعادة ثقتها بنفسها وتقديرها لذاتها.
التعامل مع مشاعر القلق والاكتئاب والصدمة.
تعلم كيفية وضع حدود صحية في العلاقات المستقبلية.
اتخاذ قرار مستنير بشأن الاستمرار في العلاقة أو إنهائها بأمان.
الختام
في الختام، العلاقة مع شخص نرجسي هي رحلة مرهقة ومؤلمة. إن فهم طبيعة هذا الاضطراب هو السلاح الأقوى لحماية نفسك، سواء قررت البقاء والتعامل مع الوضع بحدود صارمة، أو اتخذت القرار الأصعب و الأكثر شجاعة بالرحيل نحو حياة أكثر صحة و سلاما.