الحضارة المصرية القديمة والتقويم.. لقاء ثقافي في مكتبة القاهرة الكبرى
الحضارة المصرية القديمة والتقويم.. لقاء ثقافي في مكتبة القاهرة الكبرى تابع الخبر على أخبار مصر.
في إطار الاحتفاء بالتراث المصري العريق، نظّمت مكتبة القاهرة الكبرى مساء السبت 5 يوليو 2025، لقاءً ثقافيًا مميزًا بعنوان: “بداية السنة المصرية القديمة من خلال علم الفلك والآثار”، وذلك بالتعاون مع “مبادرة النهوض بقوى مصر الناعمة”، وتحت رعاية معالي وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، والمخرج خالد جلال، رئيس قطاع شؤون الإنتاج الثقافي، وبإشراف الأستاذ يحيى رياض يوسف، مدير عام المكتبة.
ندوة تعريفية حول “فتحة السنة المصرية القديمة”
شهدت الندوة حضور نخبة من المتخصصين في علم الآثار والفلك، وافتُتحت بكلمة من الدكتورة زينة سالم، الباحثة في الآثار المصرية القديمة وأستاذة الإرشاد السياحي بجامعة حلوان، والتي أوضحت أن ما يُعرف بـ “فتحة السنة المصرية القديمة”، أو “وبت رنبت”، كان يرتبط ارتباطًا وثيقًا بظاهرة فلكية فريدة هي الإشراق الاحتراقي لنجم الشعرى اليمانية (Sirius)، والذي عُرف في مصر القديمة باسم “سبدت”، واعتُبر من تجليات الإلهة إيزيس.
وأشارت إلى أن طلوع هذا النجم كان رمزًا لبداية فيضان النيل، وهو ما كانت تتبعه طقوس روحية وزراعية، جعلت من هذا الحدث نقطة انطلاق لسنة مصرية جديدة، تُعرف بدقتها واستقرارها على مدى آلاف السنين، حتى أن ملوك مصر القديمة تعهدوا بعدم المساس بنظامها.
كلمات المتحدثين: علاقة الفلك بالآثار المصرية
تحدّث خلال اللقاء عدد من الشخصيات العلمية البارزة، من بينهم الدكتور أشرف أحمد شاكر، رئيس قسم الفلك بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، والدكتور أحمد عوض، المحاضر بكلية الفنون التطبيقية بجامعة بدر. وأدار الندوة الأستاذ يحيى رياض، فيما تولت الحوار الدكتورة زينة سالم.
وشهد اللقاء عرضًا مرئيًا عن تقويم السنة المصرية القديمة، واستعرض المحاضرون أهمية هذا التقويم في تأسيس الحضارة المصرية، وارتباطه الوثيق بالفيضان، والزراعة، والهندسة المعمارية. كما أشاروا إلى أن هذا التقويم مكوّن من 12 شهرًا، مع إضافة 5 أيام نسيء تُعد شهرًا إضافيًا، وهي أيام مخصصة للاحتفالات والأعياد.
تقويم تجاوز 60 قرنًا من التاريخ
أكد المتخصصون أن التقويم المصري القديم يعد أقدم وأدق تقويم شمسي عرفته البشرية، وقد نشأ من رحم حضارة وادي النيل، وساهم في تقدمها الزراعي والإداري والعلمي. ويعود تاريخه إلى العام 4241 قبل الميلاد، حين تم رصد أول طلوع للشعرى اليمانية متزامنًا مع شروق الشمس، وهو ما دللت عليه النقوش التي وُجدت في مقبرة المهندس الفلكي “سينموت”، مصمم معبد الدير البحري.
وأضاف المتحدثون أن هذا التقويم، الذي يُعرف اليوم بـ”التقويم القبطي”، ما زال يُستخدم حتى اليوم، وتبدأ سنته في 11 أو 12 سبتمبر حسب كون السنة بسيطة أو كبيسة. وهو تقويم ساعد الرومان لاحقًا على تصحيح تقويمهم القمري وتحويله إلى شمسي.
تقويم مصري.. عالمي النطاق
أشار المتحدثون إلى أن التقويم المصري القديم لم يكن فقط إنجازًا فلكيًا، بل كان تعبيرًا عن فلسفة المصري القديم في تنظيم حياته، وربطه بين الطبيعة والكون. فقد قسّم السنة إلى 12 شهرًا، كل شهر 30 يومًا، وأضاف في النهاية خمسة أيام احتفالية مقدسة.
هذا الإنجاز الذي بدأه الفراعنة، كان سابقًا لعصره بآلاف السنين، حتى أن الأبحاث أكدت أن أي دولة لم تصل إلى هذا المستوى من الدقة إلا في العصور الأوروبية الحديثة.
“عيد النيروز”.. إرث حضاري مستمر
في ختام اللقاء، تم التأكيد على أن رأس السنة المصرية القديمة، المعروف اليوم باسم “عيد النيروز”، لا يزال يُحتفل به في مصر، وخاصة في الأوساط القبطية، كتعبير عن استمرار هذا الإرث الحضاري الفريد الذي يمتد من الفراعنة وحتى العصر الحديث، ويعكس عبقرية المصري القديم في فهم الزمن وتنظيم الحياة.